Tuesday, September 27, 2005
قبس من نور مولانا أبن عربي
ليس المقصود بالله اكبر انه اكبر من غيره؛ لأنه لا يوجد غيره؛ بل المقصود انه اكبر من أن يدركه غيره
.
.
الله اكبر يا مولانا
.....عن إبراهيم عيسى
و لكن مثل هذا الاحترام العميق، و التقدير، و الإقرار بالموهبة و الحرفية لا يعني ألا تكون التجربة نورانية مقدسة لا يصيبها الباطل، أو أن يعني ذلك ألا اختلف مع إبراهيم عيسى اختلافًا بينًّا في منهجيه طرحه لأفكاره
يهاجم إبراهيم عيسى المصريين ممن يعيشون في هذا الزمان، و يحمل عليهم كثيرًا و عنيفًا، و هذا لا أجده متجاوزًا و لا مستهجنًا، لأن الحكمة السياسية الصحيحة هي أن كل بلد، أو شعب، يستحق حاكمه
و لكن مثل هذه الحمية في عرض الرأي، و الغيرة علي الحق، و الثورية العنيفة، تقود إبراهيم عيسى في غير موضع للهجوم علي المصريين عامة، و علي مصر ككيان سياسي و حضاري صنع التاريخ، و لم يشهده فحسب. هكذا يكيل إبراهيم عيسي جميع التهم الممكنة و غير الممكنة لمصر و المصريين عامة، و يستعين بجمل مبتورة و منتزعة من السياق لجمال حمدان، من اجل أن يقول أن مصر ذاتها و المصريين علي مدي التاريخ كانوا عبيدًا مستعبدين، منحطين و جهلة، إلي آخر القائمة التي تستدعي إلي الذهن ما قاله مالك في الخمر
و الحقيقة أن مصر و المصريين لا يستحقان من إبراهيم عيسى—و لا من غيره—مثل هذا التحامل العنيف، فمصر هي صاحبة حضارة و ثقافة منذ ما يزيد علي السبعة آلاف عام حسب التاريخ الرسمي، و تسعة آلاف عام حسب التاريخ غير الرسمي، و كان أهلها أهل علم و معرفة، بل و أهل حرب و قتال و فتوح أيضًا، و لا حاجة لي لتكرار ما نعرفه جميعًا، و ما يعرفه غير المصريين عنا، بأفضل منا
و أرجو هنا أن أوضح نقطة مهمة، و هي أن مصر ليست هي مصر القرن الواحد و العشرين فحسب، بل هي تجميع لكل المراحل البشرية و الجيوبوليتيكية طوال سبعة آلاف سنة، و أن الخمسة و السبعين مليونًا و هم المصريين الآن، هم حلقة من تعداد يبلغ المليارات كان، و سيكون بإذن الله. أن مصر لا يمكن اختصارها في نظام مبارك، أو حتى في النظام الجمهوري أو الملكي أو الإسلامي فحسب، مصر لا يمكن اختصارها في عشرات الملايين ممن عاشوا في تلك الحُقب بحلوها و مرها. مصر هي خلاصة كل هذه المراحل التاريخية المتعاقبة
إذن فأن محاسبة مصر العملاقة و العظيمة حقًا، مصر كتراث حضاري و ثقافي و فني و بشري، علي مراحل ضعفها و انحطاطها فحسب، لهو جريمة فكرية في حق إبراهيم عيسى و من يشايعونه، قبل أن تكون جريمة في حق مصر
و هنا أيضًا نقطة متناهية الأهمية، و هي أن ظروف الانحطاط، و قانون العملات الرديئة و التدليس و الخيانة قد صور العقلانية علي أنها مهادنة، و الاعتزاز بتاريخ بلادنا و بعظمتها علي انه نفاق و تدليس، و علي الناحية المعاكسة، فأن الثورية و النوايا الطيبة قد قادت إلي نوع من الديماجوجية و الغوغائية في عرض الآراء، و جعلها معاكسًا لا يقل في خطره عن الفساد و الانحطاط
و هكذا فأني أعجب عندما يحمل إبراهيم عيسى و غيره مثلًا—لست اقصد علاء الأسواني، فعلاء الأسواني أديب، و الأدب عندي ليس مسئولًا و لا مطالبًا بالعقلانية و التفسير—عندما يهاجمون مقولة مصطفي كامل الرومانسية عن رغبته في الكون مصريًا حتى لو لم يكن مصريًا. يحمل إبراهيم عيسى و غيره علي تلك العبارة و شبيهاتها علي أساس إنها أساس للتخلف و الجهل و الشوفينية، و هذا في مطلقه صحيح، و لكن: من الأولى بالهجوم؟ اهو الوطني صاحب العاطفة المتأججة في ظروف الاحتلال؟ أم هم شلة المنافقين و المدلسين و فقهاء السلطان الذين استخدموا مثل هذه العبارات النبيلة و الحقائق التاريخية، في عملية تغييب و تطبيل و تواكلية؟
أن تلك المقولات هي ميراث جميل يلخص عاطفة و وطنية و عشقًا، يمكن أن نعلقها فوق مكاتبنا في احترام و تكريم و لكننا حقيقة لا نعتمد عليها كأساس للعمل، لا أن نهينها و نبتذلها و نحمل عليها لأننا ثوريون و حكماء و يساريون و مجددون و ملهمون إلي آخر الألقاب و التشريفات
نفس الأمر يجوز علي حقيقة كون بلادنا بلاد عظيمة، للأسف مصريوها الحاليون يبتذلوها و يهينوها، و لكن لدواعي الثورية و الشرف و النضال—أو حتى الاختلاف و التميز—يمكننا نعتها بأقذع الألفاظ و احتقارها و جلد الذات فوق مذابح المازوخية
سؤال لكل الثوريين: في ألمانيا يمكن للألمان نقد جوته كما يريدون، و لكن: هل يمكنهم سب جوته؟ في أمريكا، يمكن للأمريكان نقد جورج واشنطن، و لكن: هل يمكنهم سب جورج واشنطن؟
لا اقصد أي من الناس الذين يمكنهم المشي في أي زقاق أو حارة و سب الله نفسه، و لكنني اقصد الاتجاهات و المداخلات و الكتب الفكرية المحترمة، و الصحافة الواعية الملتزمة بثوابت الحرية و الفكر و المعرفة. أكثر ما يضايقني في هذا النقد لإبراهيم عيسى أنه رجل محترم و له مصداقية كبيرة في الشارع، و يجب أن يكون علي مستوي تلك الثقة فكريًا، و ألا ينقاد إلي الأسلوب الديماجوجي و منطق قلب الموائد علي الجميع، لأن إبراهيم عيسى الشخص و الصحافي النزيه، و الدستور كجريدة شجاعة و جريئة، لابد و أن يحملا علي اعناقهما مسئولية عقلية المواطن المصري، لا غرس صورة سلبية قاتمة مجافية للحق و للإنصاف عن بلاده و لو حتى بدافع الصدمة الكهربية و استنفار الهمم، لأن ما يقوله إبراهيم عيسى في بعض مقالته سوف يدفع الأغلبية من المقهورون لليأس و الإحباط، و فقد الإيمان ببلاده و شعبه كلية، فكيف يمكن لهؤلاء تقرير مصيرهم و هم في أعماقهم يحتقرون أنفسهم و بلادهم؟ كيف يمكن لمن نقول له انه عبد و أبوه عبد و جده عبد و جد جده عبد أن يثور علي "سيده" أو أن يعصى له أمرًا؟
لا انقد هنا بناءً علي موقف أيديولوجي يضحي بالحقيقة من اجل غايات براجماتية، و لو كانت مصر و المصريين كما يقول إبراهيم عيسى في بعض مقالاته لما فتحت فمي، كما أن دفاعي عن مصر و عن أبنائها لا يعني إقامة أنصاب و ازلام من بشر فانون، و لا يعني تقديس فكرة إلي حد التعصب و الشوفينية و التجمد ، و لكن لبعض من الاحترام لمصر و لأبنائها، لا مصر المعاصرة، و لا أبنائها المعاصرين، بل مصر و المصريون كفكرة عامة،و امتدادًا تاريخيًا ما يزال قابلًا للحياة في المستقبل
و يا سيد إبراهيم، أن مصر قادرة علي إنجاب من هو أعظم منك و اقل سوءً مني، فبعض الموضوعية و الإنصاف أرجوك
خارج الموضوع
إذا سمح لي إبراهيم عيسى، فسوف أبث له ضيقي بما يفعله بجريدتيه، و تصدير و تسويق روايته—المنخفضة القيمة فنيًا كرواية مع عظيم التقدير له كصحافي كبير—بشكل مستمر يكاد يكون استفزازيًا في مقالاته، بل و قوله أنها قد فسرت ما يحدث الآن قبل أن يحدث (في مقالة بجريدة صوت الأمة). انطلق هنا من محبتي لإبراهيم عيسى، و إشفاق ألا يكون صورة ممجوجة من أشخاص نكرههم جميعًا، حولوا جرائدهم و أماكن عملهم إلى منابر دعوة و تغني بأعمالهم الشخصية و حكمتهم. اربأ بك يا سيد إبراهيم عن ذلك، و أرجو أن تتقبل هذه الكلمات بصدر رحب
...من محاورة بلا جدوي بين ابليس و ميكائيل
..من ترانيم للملاك ميكائيل
Thursday, September 22, 2005
البريبئ البنبي
Monday, September 19, 2005
أن تكون احمد العايدي
Being Ahmad Al Aidi
A young author shares a lot with his audience
By Leslie Boctor
Getting a hold of writer Ahmed Al Aidi is a somewhat surreal experience. Turn to chapter one of his novel An Takoun Abbas Al Abd, (Being Abbas Al Abd). The mobile number sprawled in red lipstick in bathrooms across Cairo in the story is the author�s own number. Much to your surprise, he answers, and you find yourself tongue-tied, unsure of who to ask for, in a confusing moment that occurs somewhere between fiction and reality.
A year and half after the book�s publication, Al Aidi is still baffled by phone calls from curious readers from as far as away as Spain, Yemen and France, calling to inquire on the whereabouts of Abbas Al Abd.
�I didn�t think anyone would call, because I wouldn�t dream of doing it myself. It would never occur to me to question whether a phone number in a book was real and actually try it,� says Al Aidi. Readers have called asking about the fate of the novel�s characters, the author�s own situation, and a host of other inquiries��things you wouldn�t imagine,� he says. The writer has done his best responding to the countless queries, sometimes indulging in tall tales to keep the caller entertained.
An Takoun Abbas Al Abd is the story of the humorous and twisted manifestations of various psychoses in the lives of a video rental sales clerk, his uncle, a psychiatrist, and a salesman named Abbas Al Abd, with ongoing commentary from the book�s narrator, who offers sarcastic insights such as: �We will only survive when we have turned all Egyptian museums into public washrooms.�
The novel, Al Aidi�s first, has been heralded as a refreshing voice in Arabic literature�a judgment seemingly confirmed by the public�s enthusiasm for the book. The novel�s first edition, published by Merit in November 2003, sold out a month and a half later. Since then, the book has barely remained on the shelf, with a pirated version appearing at Souq Al Ezbikaya between printings. Al Aidi himself had to borrow half a dozen copies from friends for a recent literary submission. Merit is releasing a third edition this month. An English translation by the Amerian University in Cairo Press is due out next fall.
Al Aidi, 31, is currently enrolled in a marketing program at the Open University. He has worked in various capacities as a writer and is currently the brains behind Al Dostour�s popular comic strip Booka wa Sokomonnous. He recently co-wrote a film with Mohammed Hefzi, Al Tourbini, which will be directed by Ahmed Medhat.
A conversation with Al Aidi is full of sparks, questions and speculations that come tumbling out together. His questioning mind is open to possibilities, all of which seem to originate from musings on �what if�?�
He describes the book�s themes as an exploration of �a triangle of mine: hallucination, schizophrenia, phobia.� He turned his questions on himself to examine his own phobia�giving out his phone number.
�Before writing this book, I never had a mobile. When you have one, the first thing someone asks is: �Where are you?� And that doesn�t sit well with me. I don�t like someone knowing where I am,� says Al Aidi. So he contemplated the worst-case scenario: �I asked myself, what would happen to my writing if I were exposed like this?�
Including his personal contact information wasn�t the only gamble Al Aidi took with his work. In recounting how the novel came to be, the author often refers to the delete function, an integral part of his writing process. �I actually enjoy deleting,� he says gleefully. �Not just the delete key, but delete shift especially, which makes the document bypass the recycle bin altogether�and poof! It�s gone forever!� The novel is his fifth version, but Al Aidi candidly admits his second version was his best, but alas, it was deleted. It�s the restless reader inside him who needs to be satisfied, he explains. �When I�m reading it, I�m not the writer anymore, I am the first person to read it. It�s the reader in me who is deleting. I want to satisfy the reader inside me, and if he�s not satisfied, I�ll change it to what he likes.�
For the sake of avoiding boredom, as he puts it, he toyed with the novel�s dialogue, interspersing keyboard idioms such as brackets, punctuation marks and emotion icons within the text. In one instance, a character is mentioned, but isn�t given a name. Instead the reader is asked to choose a name, and write it between two empty brackets. Depending on his frame of mind, Al Aidi reverted into an online chat style while he wrote. �Sometimes while I was writing, I felt like smiling, so I added a smiley face to the text,� he explains. �Sometimes I would be playing with the volume on my computer, so I put things in bold letters.�
Al Aidi says he mulled over every word in the novel. The result is sentences that deliver sharp, witty and sometimes scathing blows, such as: �You�re the computer engineer with a loosened tie and package of CD-Rs in your hand. A blip in the digital cosmos. An electronic slave for the Bill Gates colony.�
As for his characters, Al Aidi says they emerged as voices in his head, who were at times demanding companions to live with. �The novel was already written, I was just looking for it,� he explains. �And the characters spoke to me, they were the ones that knew what was going to happen, not me. I was just there to be a secretary. They�d wake me up in the middle of the night for a cup of coffee, or to make a phone call, or to tell me to �write this down.��
Al Aidi�s inclusion of his number in his story turned out to be a brilliant literary gamble with a personal twist�the writer managed to re-invent himself as a wholly accessible person. The only problem is his mobile is still ringing with calls from inquiring readers. Now the author feels the time has come to leave a voice mail message on his mobile explaining that Abbas Al Abd has disappeared. The pressure of the constantly ringing mobile has shifted his focus and energy. �It�s at the point where I can�t handle another phone call!� he says emphatically, but not without good humour.
Al Aidi is already thinking of his next novel. �I want to write whatever I really like, as if there would be no more novels to follow,� he says. �I should write every paragraph as if it was the last one people could read. I should write with this urgency.� But first things first�he�ll get a new mobile number.
Copyright © 2005 Cairo Magazine
.........................................................................................
http://www.cairomagazine.com/?module=displaystory&story_id=1358&format=html
...امرأة العزيز
الايقاع المُعجز
ترانيم في ظل الجدة
أتيت إلي هذا البيت العتيق عندما كان عمري لا يتجاوز الستة اشهر. كونت وعيي بالأشياء كلها—كطفل أحمق و كشاب أكثر حماقة—في كنف هذا البيت و ربته العجوز. عندما كنت صغيرًا ضئيلًا كقط وليد كانت هي امرأة استوعبت الحياة بشوكها و زهورها. كانت عجوز هادئة بلغت الثانية و السبعين من العمر. اثنين و سبعون ربيعًا—أو صيفًا أو خريفًا أو شتاءً.. كما تريد أنت تسميته—أوصلت هذه المرأة إلي السكون الواثق. لم تعد بها حاجة إلى الجزع من تغضن ملامحها، من عبث أبن أو تمرد ابنة، من مشاكسة زوج أو مشاغلات عشيق. حتى الحمية التي سكنت جسدها إلى أن اختفت كانت نوعًا من الإعجاز علي كائن عتيق مثلها. عينيها الرماديتين الحادتين و زمة شفتيها القاسية—التي ورثها أبي، و ربما ورثتها أنا بدوري—كانوا ينذرون دائمًا بانفجار وشيك. هدأت النمرة قليلًا و لكن ملامحها التي اكتسيت بهدوء الثقة—و ربما التغطرس—كانت دومًا عنوانًا و دليلًا علي توحشها الذي ظل يلمع من فينة إلى أخرى كبرق متعجل أو كنبوءات عراف عابث. برزت نجية إليّ عندما برزت لي حياتي نفسها، فلما اختفت لم يكن من العسير علي أن اضطرب
نُعزي أنفسنا دائمًا بأن ما يحدث "للآخرين" لن يحدث لنا، و أن حقائق الكون المطلقة هي مجرد ديكور لحيواتنا نحن نأخذ منه العبرة و العظة فحسب، و كأن كل ما نعيشه هو البروفة الجنرال، نحدث أنفسنا أن ميعاد العرض الرئيسي، الحياة الحقيقية بكل مآسيها البعيدة، لم يأت بعد
هكذا وجدت نفسي و أنا أقف أمام باب المستشفي. الجسد ممدد بالداخل و أبي في المسجد القريب يؤدي الصلاة. اعتذر لي و ذهب بسرعة. تعجبت لِمَ لم يسألني المجيء معه. أبي رهيف الإحساس بشكل يفزعني أنا نفسي. قبل أن يرجع الوالد ليعهد لي بمهمة عربة الدفن، كان ذهني يلوك ما حدث ليقين حياتي الكبير في هدوء مصطنع. لقد ماتت جدتي. الكلمة المجردة تمددت في عقلي و دارت فيه ببطء. ماتت. الموت. لم تعد هناك. غابت. البشرة الوردية البيضاء الصافية. العينين الرماديتين. الشعر الذي امتزج السواد بالفضة فيه، بينما هي في السادسة و التسعين من العمر. عندما كانت تخلع منديل رأسها لتفرده فوق فخذيها الرشيقتين كنت أتأمل هذا الشعر الناعم المنسدل. كان قصيرًا لا يتجوز عنقها. كان ناعمًا رماديًا منسدلًا قصيرًا، و كان يطير في الهواء عندما كنت انفخ فيه برفق عابث
الكلمة تحولت لشيء لا يمكنني إدراك كنهه عندما فُتحت تلك الفجوة في قلب الأرض. الجسد الملفوف بالأبيض يبدأ رحلة أخرى لا أستطيع التنبؤ بها. بجوار الجدار كنت ابكي. بجوار الجدار كنت أودع أربع و عشرون عامًا من الحياة بقرب نجية. كنت أودع عمري كله الذي كنت اعرفه حتي هذا اللحظة. أبي يحتضنني. أبي يفهم لأنه قد ودع أبيه في ذات العمر. أبي يمنعه وقاره من البكاء كطفلة صغيرة مثلما افعل أنا. يطالبني برفق أن أكون رجلًا. جملته الأثيرة التي تحولت من تعاريج الغضب إلي انسياب التعاطف. كنت ابكي. لم ابكي منذ فترة طويلة، و عندما كنت ابكي كنت ابلع دموعي و اصمت. هذه هي المرة الوحيدة التي تركت فيها دموعي تتساقط كما تشاء. هذه هي المرة الوحيدة التي ابكي فيها أمام الناس جميعًا
لم تشخ نجية منذ عرفتها. عرفتها و هي شيخ في الثانية و السبعين، كانت ملامحها العجوز قد استقرت في رحلة تهدلها المقدسة. لم أر جدتي و هي تكبر و تشيخ، لم تغير جدتي عاداتها في الذهاب بنفسها إلي الحمام حتى قبل شهر فحسب من موتها، فظلت في عيني يقينًا لا يأتيه الباطل. تمثال عتيد و دليل علي الرسوخ. دليل علي الخلود. حتى عندما كنت احملها إلي الحمام، كنت اعلم يقينًا—وقتها—أن نجية عائدة لا محالة إلي كل ما كانت تفعله قبل الانهيار الأخير. عندما جلست بجوارها في غرفة الرعاية المركزة قبل يوم واحد من القضاء، رمقت وجهها الأبيض و قناع الأكسجين، المنامة الخضراء و اليدين المعروقتين. عينيها ذات النظرات التي استحالت تائهة. حتى عندما كنت اسمع صراخها في أول ليلة دخلت فيها المستشفي. حتى عندما كنت أقول، و أنا انزل درج المستشفي الرخامي، إنها ستموت. كنت أقولها و أنا غير مصدق. سترجع جدتي
لا اعلم كيف وضعت جانبي إلى سريري في هذه الليلة. روح جدتي لم تعد تطير كفراشة في هذا البيت. الظلام صار ثقيلًا. ثقيلًا. يطبق علي روحي و لا يفلتها. في ذات اليوم كنت متجهًا للعزاء. لم أكن أريد أن أقف في عزاء جدتي. لم أكن أريد أن أري أحدًا. لكن، انتم تعلمون، كان يجب عليّ ذلك. و عندما كنت أتأهب للخروج من الشقة الصامتة. لمحت نور الحمام الذي كنا نتركه لها في الليل حتى تتبين طريقها. أغلقته. و عندما خرجت أدرت المفتاح في الباب مرتين. كنا نفعل ذلك حتي لا تفتح الباب لأي طارق و نحن غير موجودين. لم يعد لهذه التكة الأخيرة أي معني. و عندما وضعت جنبي علي سريري، علمت أن كل شيء لم يعد له معني
كانت ليلة القدر التي اختارها لها الله، ليحدثنا مسئول المستشفي ليقول: البقاء لله. البقاء لله وحده. تركونا ننام في تلك الليلة. لم يكن في أيدينا فعل أي شيء حتى الصباح، لذا تركونا ننام بلا معرفة. و لكنني أحسست بذلك. رفعت يدي بالدعاء في تلك الليلة. استرجعت صيغة دعاء يقولون إنها لا تُرد. دعوت الله كخاطىء لا يرجو من دعوته عفوًا. كنت أدعو لها. و لكنني كنت انسي الصيغة دومًا، عندما كنت أدعو لها بطول العمر، و أتذكرها عندما أدعو لها بالجنة. حاولت التذكر بلا جدوى. علمت بشكل ما أن السيدة العجوز قد حانت نهاية زيارتها
في المسجد الكبير، بعد صلاة العصر، حيث كان الآلاف من المصلين يصلون علي جدتي، و هواء رمضان يبدأ في لملمة أطراف ثوبه تأهبًا للرحيل، قدرت أن الله منح بركته للرحيل، مثلمًا منح بركته للرحلة. صليت هذه المرة و كدت ألا الحق بالنعش الذي طار إلي عربته. الجسد يشتاق إلي مستقره الأخير. الجسد تمدد في صمت بليغ أمام عيني عندما كنت ارمقه في ذهول داخل العربة. لم أر مثوى الجسد في النهاية. دموعي كانت ساترًا ألا افعل
كنت أنام كطفل بجوار بطنها. كنت أتكور في وضع جنيني و أتمني أن اندس فعلًا في بطنها. رائحة جسدها كانت عنوانًا لجسدي. استرجع بكثير جدًا من الندم الأوقات التي كنت اهجرها فيها، بل و أتجاهل الرد علي أسئلتها بدافع أنها غير مهمة. أتذكر بمزيد من العار كيف كنت نذلًا و هي ترجوني أن أجالسها قليلًا فأرفض من اجل نزهة مع الأصدقاء. أتذكر كيف كانت تحبني فاعلم كم أنا أحقر بكثير من هذا الحب. قالت لي "سترحلون و تتركونني.. أليس كذلك؟!".. كنت احتضنها و أقول دون أن افهم "لا يا جدتي.. لن نتركك أبدًا.. لن نمضي بدونك". لم أكن افهم أنها تتحدث عن رحيلها هي. لم أكن افهم فزعها الذي كان تعاليها يمنعها من إفشاؤه بحرية. لا يا جدتي..لم نكن لنتركك. صدقيني
ما يقرب من سنتين علي رحيل الجدة، و صوتها مازال وشمًا فوق روحي. ما يقرب من سنتين علي رحيل الجدة، و انا مازلت افتح عينيّ في الظلام، خوفًا من رحيل جديد
Saturday, September 17, 2005
فعل الالتهام
و من هنا كان غريبًا للوهلة الأولى أن نعبر عن اعجابنا بالنساء أو بالرجال حتى بصيغ تنبع اساسًا من فعل الالتهام، كأن يقول الرجل للمرأة "يا حلوتي"، أو أن نقول عن تلك الفتاة انها "تؤكل أكلًا"؛ أو "ولد لذيذ"؛ أو "بنت طعمة"
و يصل الموضوع في صيغته الجنسية لأبعاد صريحة: "سأقطعك تقطيعًا"؛ "سألتهمك"؛ "اريد أن اتذوقك"؛ بل و تأخذ بعض الممارسات الجنسية فعل الالتهام ببداياته مثل عضة الحب
و حتى في حالة الأكل الفعلي للحوم البشر بصورة طقسية—بعيدًا عن تقليعات بعض المهاوييس و المضطربين نفسيًا—و المنتشرة بين القبائل الإفريقية، فإننا بمكننا تمييز اسباب لاهوتية و اجتماعية بل و عاطفية وراء طقس الالتهام
إذن ؛ هل تكون هذه بعض فلول مشاعرنا البدائية التي كانت تربط اللذة بالطعام وحده؟! هذا محتمل جدًا. و العجيب أن الانسان هو الكائن الوحيد تقريبًا الذي تمتع بوقوع هذا الفعل عليه، فنحن—في الحالات الطبيعية بالفعل—نجد الأنثى مستمتعة بفكرة انها مُفتَرَسة، و يمتد خيط رفيع بين الالتهام و عرضه لدي الفريسة، ألا و هو الألم، ليمتزجا فيما يمكن فهمه علي انه المازوخية الحميدة—إذا جاز هذا الوصف—تمييزًا عن تلك المازوخية التي يعرفها علم النفس. هذه المازوخية الحميدة الطبيعية فعلًا، و التي تُعبر عن نفسها بصور يُلهمها فعل الالتهام دائمًا: التلذذ بالانتهاك، التلذذ بالألم، التلذذ بالوضع الدوني سواء بصورة نفسية أو حتي فعلية. باختصار هذه هي "النشوة الجنسية للأنثى". بالطبع لا نتحدث عن مقدمات فعل الجنس أو نهايته؛ أو حتى محاولة تأمله و فلسفته من خلال التفكير أو الكتابة حيث يكتسي الفعل غالبًا بالمسحات الرومانسية الهادئة الخافتة؛ بل نتحدث عن الموضوع في عمقه
و بينما نحاول جميعًا الترفع عن "ضلالة" الحيوانية بما يحيط بها من احتقار و بدائية، و محاصرة تلك الضلالة بكل ما نملك من فنون الايتيكيت و البروتوكول—و هو لطيف و مقبول دونما تزيد، فأن ملاحظة تدليلنا لفعل الالتهام و قرنه الدائم بالحب و الاستلطاف لهو تأكيد علي جذر حيواني أصيل لا يمكننا تجاهله، بل لا يصح علينا تجاهله، حيث الوئام معه لا يعني خلع معاطف المدنية و الحضارة، بل يعني مد جسورنا مع النفس من اجل محاولة فهمها بشكل اكثر تعاطفًا و رحابة، لا رفضها من اجل معتنقات تبنيناها دون أي تفهم حقيقي لطبيعتنا و نوازعنا
محاولة أخيرة للتعاطف مع اليمين
اليمين في الفهم البسيط المعتاد هو ذلك الموقف الفكري و الخلقي الذي يرتبط بكل ما هو راسخ و ضارب في اعماق التجربة البشرية، هو ذلك الميل نحو التقاليد و الاعراف في مقابلة الابتداع و التجديد
و يرتبط بهذا المفهوم مسألة الولاء لقيمة الملكية علي المستوي الاقتصادي و الخلقي، فكانت الرأسمالية هي النظام المفضل لليمين، لما تقوم عليه الرأسمالية من تقديس للملكية، و الملكية هي قيمة اكتسبت سحرها منذ ملايين السنين من التواجد الانساني المعلوم بفضل الحضارة، أو المجهول تبعًا لاختفائها، و بذلك كانت قيمة الملكية راسخة و عتيدة، و بذلك صارت قيمة يمينية إلي اقصي درجة. و يرتبط بذلك الملكية كمفهوم اجتماعي، حيث يملك الرجل امرأته، و تمتلك المرأة رجلها (و إن كان ذلك بحرارة اقل)، و بذلك يكون اعتداء الرجل علي امرأة رجل آخر—أو امرأة علي رجل امرأة اخري—هي خطيئة لا تغتفر في العقلية اليمينية، و بالطبع كانت الاخلاق حليفًا صنعه اليمين و شكله من اجل حماية مكتسباته
و علي هذا المنوال نجد ايضًا الالتصاق الشديد بالتدين كقيمة و اليمين، فالدين هو "الوحيد الذي يستطيع إضفاء القداسة علي الاخلاق" كما يقول روياس. شّكل اليمين التدين علي هواه كما شكله التدين بالضبط في عملية معقدة، فكان الدين كقيمة مطلقة جزءًا لا يتجزأ من التقاليد و الأعراف التي اعتاد عليها البشر منذ فجر التاريخ (مهما كان نوع الدين، سماوي او وضعي) مما جعله مشكلًا اساسيًا للموقف اليميني الاخلاقي المتشدد في حالات كثيرة، بينما كان التدين علي الطريقة اليمينية هو مفتاح الامان الذي يصون الصفوة من كبار الملاك و الطبقة الحاكمة
و بينما يكتسب اليسار جاذبيته من فعل الثورة و التمرد، يكتسب اليمين سطوته من تجربة تاريخية عتيدة، استعان بها بالاخلاق و التدين المصنوع بحرفية، فصعِب علي الانسان—خاصة أن كان شرقيًا—رفض أي موقف يميني يكتسب الاحترام حقًا مثل الحفاظ علي الأسرة، و حماية النشء، و الطهارة، و الألتزام. يحدث مثل هذا الاحترام بينما يمكن أن يؤمن الانسان مثلًا بالحق في ممارسة الجنس بدون زواج، أو بالتقليل من هالة الاسرة القدسية مثلًا، أو بالتشكيك في المعني الحقيقي لكلمة "طهارة" أو "ألتزام" و البحث في تأويلاتهما و معانيهما الخفية. يحترم الشخص الطبيعي الذي يميل لليسار أي شخص يريد بناء اسرة، أو أي شخص يرتبط بعقد رسمي مع الفتاة التي يحبها
قد يقول البعض أن هذه القيم هي قيم خلقية منفصلة عن طبيعة اليسار أو اليمين معًا، و لكن مهلًا، ارجع بضع سطور إلي الوراء عما قلناه عن اليمين و الاخلاق و التدين (و ليس الدين في ذاته). اليمين هو التجربة الانسانية بحكمتها و تسلطها و قسوتها و براجماتيتها. اليسار هو ممثل التمرد و نشوة الجنون و شبق التجربة و البحث الدائم عن فردوس مفقود و متخيل. اليسار نبيل نبل الادب و الرسالات السماوية التي قد يتمرد عليها بالفعل. اليسار يهاجم الاديان في لا معقوليتها و تبشيرها بفردوس ميتافيزيقي وهمي متخيل، بينما يحثنا اليسار—بصورة بديعة التماثل—علي فردوس وهمي متخيل آخر، و لا معقول أيضًا، و لكنه هذه المرة علي سطح الارض. هكذا يلتقي اليسار—دون أن يدري—بأهم منافسيه و اعدائه الفكريين: الدين كمنهاج مطلق، و التدين اليميني المصنوع لغايات دنيوية
اليمين يعني الاستقرار، الذي يفسره اليسار علي انه الموات. يعني العملية، التي يفسرها اليسار علي انها الانتهازية، يعني الواقعية، التي يفسرها اليسار علي انها التسلط. اليمين يتفهم الحيوانية البشرية مثل اليسار، علي عكس ما يشاع دائمًا، و لكن ليس بنفس طريقة اليسار المتمرد. فاليمين في الشرق يحيط دائمًا النوازع الجنسية بغطاء كثيف من التبرير و المشروعية، و هذا بالطبع الموقف اليميني المعتاد، و لكنه أيضًا يصل إلي منطقة التواطؤ في ممارسات عملية علي ارض الواقع، فنحن نري البنت التي ترقص في احد الافراح، لا يقول احد من الجالسين انها ساقطة، قد لا يجعل ابنته أو اخته أو خطيبته ترقص مثلها و لكنه لا يطلق عليها وصف الساقطة.ليس بدافع التحرر الثوري، و لكن من اجل اكثر الدوافع يمينية. البنت تستعرض جسدها علي الذكور الحاضرين بشكل جنسي فج، و هو المستهجن دومًا من دعاة الاخلاق و العيب، و لكن البنت تفعل ذلك في سبيل هدف نبيل: الزواج. و من اجل الزواج يتواطأ اليمين—الاخلاق و الاعراف و التقاليد—مع نوازع البشر الجنسية لجعل الموقف لطيفًا طريفًا دونما ازعاج. الفارق بين اليسار و اليمين في هذا المثال العابر، و دعنا نسميه الاغراء، هو الوظيفية: اليسار يري أن الاغراء هو وسيلة للجنس، و الجنس غاية في ذاته إعلاء للمتعة و التحرر، بينما يري اليمين انه طعم مر المذاق في سبيل تكوين أسرة، و الأسرة غاية في ذاتها إعلاءً لقيم الترابط بين البشر تحت اسم الزواج. يرفض اليسار عادة مثل هذه المكيافيللية في المواقف، و لكن دعنا نعترف، اليمين يلعبها بحكمة و واقعية. يحدث ان يتزوج المرء لأن انثاه المختارة طيبة و جميلة، و هو بذلك محظوظ. و لكن أن كان هناك اختيار، فأن الذكر الشهواني بالطبيعة سينحاز للجمال في الاعم الاغلب، و سيحاول تعزية نفسه بمزيد من الخدع علي منوال انه سوف يطبع انثاه بعادته بعد الزواج
اليمين حكيم لأنه يختزل التجربة الانسانية، و يعرف محدداتها و مفاتيحها بشكل تام، علي الاقل هو لا يخطئ هدفه إلا في القليل النادر، و في حالات طريفة مثل القديسين و الاولياء، و هي طريفة لأن هؤلاء القديسين و الاولياء هم عينهم من يقوم اليمين باستغلال تراثهم لصالحه في النهاية، بل و يجعل هذا التراث عماد مؤسس، و حارس امين لكل ما يمثله اليمين من سلطوية و تراتبية. يعوض اليمين خسارته النادرة كلاعب بوكر باهر المهارةلست من اتباع اليمين أو اليسار، و لكن محاولة فهم اليمين هي فرض عين في تقديري الشخصي، و إن كنت قد رأيت فيه خيرًا، فإن ذلك لا يقلقني، لأن التعاطف مع اليمين من سمات الشيخوخة، و لست اظنني شائخًا إلي هذا الحد، إلا إذا كان الله قد دبر لي خدعة كونية، لم اكتشفها حتى الآن
Thursday, September 15, 2005
شبق اللغة
و بدون الدخول في الجذور و الفروع، التماثل و التمايز بين اللغات المختلفة، فأن اللغة—عامة--هي فاعل و مفعول، فهي أن كانت أداة لتوصيل الأفكار فهي مُشكلة لهذه الأفكار أيضًا. لم يكن اعتباطًا أن يكون يقول إنجيل يوحنا—و هو أفصح الأناجيل الأربعة و أعذبها-- "في البدء كانت الكلمة" (1:1). الكلمة التي وردت باليونانية كـ Logos اعتبرها الكثيرون من المفسرين دليلًا علي العقل. لم يكن الإنسان "عاقلًا" بالمعني المفهوم لولا اللغة. نقلت اللغة العقل من حالته البدائية، و عمقت تلافيفه و زادت من قدراته، منحته "التفكير" بالفعل و ليس بالمجاز. الهمهمات المتداخلة و الغمغمات البدائية لا تصنع نسقًا، و النسق هو عماد التفكير، و التفكير عماد الحضارة. اللغة كانت مسيحًا و شيطانًا في ذات الوقت، فهي إن اعتبرت خالقًا ببركة التفكير، اعتبرت مخلوقًا لعجزها عن إطلاق التفسير. فالتعبير المنطوق يعجز في أحيان كثيرة عن توصيلنا لآفاق الإحساس، فلا يمكن للغة مهما سمت أن تضاهي الموسيقي في إثارتها للإحساس بدون استعارات مكنية أو تشبيهات أو أساليب جذلة بليغة. الموسيقي تجعلك تكتئب أو تفرح أو تخاف أو تتحمس بدون كلمة واحدة. رجوع للأصل البري الذي نحن إليه دومًا دونما أي ندم من نشوء اللغة. الموسيقي ذاتها كنسق متمايز منتظم هي نتاج طبيعة التحمت مع تفكير عميق، التفكير ابن اللغة، نعم. و لكن الطبيعة ابنة لقوة جبارة تقف وراء اللغة. تدرك اللغة و لكن اللغة لا تدركها.
لم يكن اعتباطًا أن يكون آمون—الإله المصري—بلا اسم معروف، و أن معني كلمة آمون هو " من يحرم النطق باسمه". و رغم كون قدماء المصريين متأخرين بشكل ملحوظ في العلوم الفلسفية، مع تقدم رهيب في العلوم التطبيقية مثل الهندسة و الطب، إلا أن تفسير تلك التسمية يدل علي عمق كبير في فهم اللغة "الإله الأكبر حرام نطق اسمه، فأن أنت نطقت اسمه فسيكون شيئًا، و تعالي الله القدير أن يكون شيئًا". نفس المعني الذي استقته اليهودية في تسمية الإله الواحد—الإله "الأعظم" فحسب في مرحلة تاريخية—بمجموعة من السواكن المؤلمة: "يهوه". أيضًا لا ينطق اليهود علي عمومهم—ماعدا شهود يهوه—اسم الإله أبدا، بل يستبدلونها بلفظ السيد "آدوناي".
إذن، فأن اللغة تشييء ما حولنا، فعظمة تعليم الله لآدم "الأسماء كلها" في القصة التي وردت في القرآن هي منح المعني الحقيقي لما يحيط حولنا. فأن كلمة البيت مثلًا تستدعي لعقولنا معني محددًا. كذلك المرأة، النور، الأرض.. الخ. بدون اللغة ممثلة في أسمائها، التي تختزل في أحيان كثيرة صفات و تأويلات ما نسميه، فالكون ذاته غير ممكن التخيل.
و ما قلناه عن علاقة الإنسان عامة باللغة يُضخم ألف مرة في حالة الكاتب، فالكاتب الذي لا يملك تذوقًا للغته، و لا يملك تحديدًا بين الإشراقات المتمايزة للغة في وصف عمليات تبدو متشابهة (نظر -حدج-رمق-استرق النظر/ فهم- استوعب- أدرك)، و لا يملك منهجية فهم الارتباطات المنطقية بين الكلمة في الأصل و بين الاستعارات و التشبيهات التي تقوم عليها، و التي صارت تراكيبًا متمايزة عن الأصل بحد ذاتها (العين: عين الماء- عين الحق)، هو كاتب فقد معركته الأولى، بل هو كاتب تثور حوله الأقاويل حول كنه فهمه هو نفسه للعالم الذي يحيط به.
النداهة
و لكن السؤال الهام هنا هو علاقة الأطوار العمرية للشخص الواحد بنداهته الخاصة، و أن كانت هذه النداهة تتبدل بتبدل هذه الأطوار العمرية أم لا؟
المجادلة كي تكون محكمة لابد و أن تضفي إجابة مريحة علي موضوع "الأطوار العمرية و تبدلها" هذا. هل هناك تبدل في الأطوار العمرية حقًا؟! أم أن الإنسان هو الإنسان، و إن نحينا مرحلة طفولته البكر و شيخوخته العاتية جانبًا، فسوف نعرف أن تقدمه في السن لا يعدل في رغباته؟
تنحية مرحلة الطفولة البكر تعني بداهة أن تلك المرحلة لا تعني كثيرًا بالرغبات التي يعرفها الإنسان البالغ مثل الجنس و العمل و الثروة، و هو رأي صائب إذا ما ركزنا علي فكرة "لا تعني كثيرًا"، بدلا من "لا تعني أبدًا". فالأبحاث النفسية علي امتدادها التاريخي رصدت اهتمام حقيقي بالرغبات الثلاث—كمثال مهم علي الرغبات--و أن اختلف توظيف هذا الاهتمام. فالطفل يعني بالجنس عن طريق التساؤل عن كنهه في الأعم الأغلب، أو بممارسته في حالات شاذة. و يعني بالعمل في معسكرات لهوه الصيفية و عن طريق إعلاء القيمة إلي وسيطي المذاكرة و اللهو، و يهتم بالثروة في صورة مصروفه اليومي و كمية ما يحصل عليه من حلويات و عصائر و ما إلي ذلك.
أيضًا في حالة الشيخوخة العتية، فنحن نستطيع أن نقول أن الشيخ يظل مهتمًا بالرغبات الثلاث، و أن كانت بطبيعة مغايرة علي المستوي الفيزيقي الفعلي—تبعًا لحالة الجسم الفسيولوجية الواهنة—و بوعي كبير نجم عن خبرة عريضة أكسبته السنين إياها. يستبدل الشيخ العمل بالتمارين الرياضية الخفيفة، و يقضي وقته في التمتع بالثروة لا تكوينها، و يمارس الجنس بصورة تقترب من الرمزية. إذن الفارق الوحيد بين الشيخ و الطفل في التعامل مع رغباته المتعددة هو الوعي التام بأبعاد الرغبة و خصائص من تقع عليه الرغبة (المرغوب)، كما أننا لا ننسي البعد النفسي الذي يلتقي في نهم التلقي، و يختلف في هدفه. فالطفل نهم في تلقيه لبديهية الاكتشاف، و الشيخ نهم في تلقيه لبديهية خوف الفناء.
إذن هل يعني كلامنا السابق أن نداهتنا الخاصة—رغبتنا الأشد تعلقًا بها—لا تتغير بتغير العمر؟
حسنًا.. نستطيع أن نقول أن الرغبات الثلاث كقيم مطلقة تظل مرغوبة، و لكن أهدافها التي تتمركز حولها و في داخلها طاقة الإغراء العاتية قابلة للتبدل بصورة مربكة. فالإنسان الذي يهتم بالجنس كنداهة خاصة تسقط رغبته علي محبوب يعتصر منه المتعة في مرحلة زمنية محددة، قبل أن يحدث الملل الذي لا فكاك منه، فيسقط الإنسان رغبته علي محبوب آخر، و هكذا. نفس الحال مع العمل، فقد يلجأ الإنسان إلي تغيير مجال عمله، و لكنه ما يزال راغبًا في قيمة العمل بذاته إلي أقصى حد، و يرتبط بذلك بشدة قيمة إثبات الذات، و قد لا يغير الإنسان مجال عمله، و لكن تتوافد عليه التحديات و المهمات الجديدة بصورة مستمرة، مثل رجال الأعمال و صفقاته المختلفة التي لا تنتهي، و يتعامل معها الإنسان بصورة مختلفة مع كل تغير في مركزه سواء عن طريق النجاح أو الفشل. نفس الحال مع الثروة، فالإنسان يسعى دائمًا إليها باختلاف وسائلها و اختلاف مهارته.
الذي يحدث هو تفضيل رغبة عن أخرى بما يسمح به، أو بما يدفع به، العمر. قال برنارد شو أن الرجل "يقضي أول عشرين عامًا يملك الصحة و الوقت و لكنه لا يملك المال، ثم في العشرين عامًا التالية يملك المال و الصحة و لكنه لا يملك الوقت، ثم في العشرين سنة الأخرى يملك المال و الوقت و لكنه لا يملك الصحة".
ربما سيقول من يقرأ أن النداهة في المثال السابق تغيرت بتغير العمر.. فهي المال، ثم الوقت، ثم الصحة...
و لكن بحسب نفس هذه السطور السابقة، فأن نداهة الإنسان هي المتعة. المتعة التي تريد مالًا تشتري به مستلزماتها (بيت أنيق-امرأة مشتهاة-عربة-الخ الخ)، ثم تريد وقتًا لتمارس فيه طقسها بعدما استكملت مستلزماتها، ثم تريد صحة غابت عنها بعدما توفر لها الوقت.
تغير الرغبات ما هو إلا تعبير عن مسيرة حثيثة نحو هدف واحد باستماتة: المتعة. أن يعيش الإنسان مرتاحًا هني البال. الراحة و المتعة أيضًا يقوم تفسيرها علي حسب كل إنسان منا. هناك من يعلي من قيمة العمل أو الذكاء لإثبات الذات، و علي ذلك قس الجنس كإعلاء للشهوانية الصريحة، الثروة كإعلاء للقوة و المقدرة.
و ما بين ممارسة الفعل تبتلًا (حبًا في ذات الفعل و عن ذلك الحب تنتج المتعة) أو لإثبات الذات و الظهور (حبًا في الذات و عن ذلك الحب تنتج المتعة)، تقوم جدلية لن تنتهي حتى نهاية زمننا، ربما نعبر عنها في سؤال مؤرق متعدد الإجابات: لماذا يكتب الكاتب؟ أحبًا في "نداهته"؟ أم حبًا في ذاته؟ أم حبًا في الاحتمالين معًا؟!
حظ سعيد مع نداهتك الخاصة، و حظ اسعد في محاولة تحديدها، إن كنت لا تعرفها حتى الآن.
الولد العابث بداخلي
و في ظل مثل هذه التعريفات و التفاهمات العدوانية تكون مهمة فلسفة الفلسفة ذاتها هي ضرب من الخبال. فلسفة الفلسفة هي—و بلا مواربة—تبيين الجذر الاعمق الأصيل لتلك العملية العقلية النبيلة المسماة بالتفلسف، و ينبع نبل تلك المهمة من حتمية هامة، و لكنها أيضًا قابلة للجدال:
محاولة فلسفة التفلسف، أو فلسفة الفلسفة ذاتها، أو حتى تفلسف الفلسفة كوضعية وصفية، هي محاولة تثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الأنساق العقلية البشرية تدور في دائرة مفرغة، بمعني أن ما نعده تأصيلًا يمكن أن يكون من احد الأوجه ابتداعًا، و العكس صحيح.
محاولة فلسفة الفلسفة في عملية عقلية تسمي بالتفلسف هي ضرب من الأنشطة التي تعد مثالًا علي فرضية "علينا المحاولة و ليس إدراك المقاصد"، لأن النتائج التي ستوافينا بها تلك العملية ستكون متضاربة إلي حد الجنون، ببداهة تعدد المنطلق المنطقي لكل عقل فردي متمايز يقوم بتلك العملية، و علي ذلك فأن الهدف النهائي هو المحاولة ذاتها، و إذا اتفقنا علي أهمية المحاولة، و سلمنا بتعدد النتائج و تضاربها، فأننا نثبت—و بما لا يدع مجالًا للشك—الطبيعة الجدلية العميقة للفلسفة ذاتها، و رسالتها الأكيدة في التسامح مع الاختلاف في ظل إعلاء قيمة النسبية، علي حساب المطلقات الكبرى التي كبلت الأنشطة البشرية علي اختلافها لملايين السنين.
..الاسماء كلها
افعال اجرامية
:P
Monday, September 12, 2005
تحية من مجدي الشافعي لكل محبي الكوميكس
:)
.
.
.
عزيزى لووووووووول
كثيرا ما ضمتنا قهوة "منه فيه".. بخدمتها الرديئة و زبائنها المعدمين و لكن لا تنكر ان " منه فيه " اصبحت فى كل واحد مكنا............ اقسمنا على تركها مرارا.........زعقنا فى وجه نادليها.......زهقنا ولكنها تعيدنا اليها بنعومة غريبة..........
.تلك النوافذ رائعة الجمال قديمة الطراز ، و ضوضاء البسطاء الخجولة المحببة وعم ثروت ربنا يشفيه و قولته اشهيرة : " يا بيه الحكومة ح تحتل اابلد خلاص........."
أشوفك فى "منه فيه" اليلة دى
مجدى الشافعى
على فكرة يا لوووووووول اليك مقال النيوزويك الهام عن ال )(comics or ( graphic novels
ويحك ايها الرجل الوطواط، ان كتب القصص المصورة تغادر
مكتبات الهواة و تدخل مكتبات اللأدب
( مقدمة مقال النيوزويك الأسبوع قبل الماضى http://www.msnbc.msn.com/id/8941787/site/newsweek
من نفس المقال:
- و الآن اذا اردت أن تتخرج من احدى الكليات العسكرية فى امريكا من الضرورى أن تدرس قصة (ساترابى) المصورة بعنوان " برسيبوليس " .......
- (و سارسل لكم بعضا من رائعتها برسيبوليس اعتقد انها ستكون مسلية ....
باسلوب اصيل تفتح ساترابى نافذة جميلة و جديدة على العالم و للقراء جميعا, ومفيدة للمتخصصين)
Graphic novel- تطوير للقصص المصورة ( لكن النقاد لا يحبون تلك التسمية فالأمر فى النهاية comic strips ).. زادت ارقام توزيعه و أدخلت من 72 مليون دولار فى 2001،الى 270 مليون دولار العام الماضى ووووووووف
Comic Relief
Take that, Batman. Graphic novels are moving out of the hobby shop and into the mainstream.
(c) 2005 Frank Miller Inc.
Like so many other graphic novels, Frank Miller's 'Sin City' has been turned into a full-feature Hollywood film.
By Rana Foroohar
Newsweek International
Aug. 22, 2005 issue - If you have any doubt about the power of comic books, consider that they are now required reading for the future military leaders of America. In order to graduate from the U.S. Military Academy at West Point, cadets from the class of 2006 must study Marjane Satrapi's graphic novel "Persepolis," a coming-of-age tale set during the Iranian revolution. It's a wise choice for the syllabus, not only because it is such a compelling read but because the simple black-and-white frames of Satrapi's family saga will likely give the cadets a better understanding of Iran than any academic text, newspaper report or strategy paper ever could. "Persepolis" shows
Iranians not as banner-waving fanatics or higab-covered shadows, but as individuals—funny, fraught and often fearful of the strange, powerful forces unfolding around them. "I'm not a politician or a sociologist or a historian,
but I witnessed a lot of things that happened in a place that many people are concerned about right now," says Satrapi, speaking from her Paris studio. Comics, she adds, are particularly well suited to telling her story to a global audience: "Images are an international language."
Comics are certainly having an international moment, in terms of both sales figures and increased literary respect. Global publishers say that graphic novels—which include everything from the hugely popular Japanese illustrated stories known as manga to highly sophisticated works like "Persepolis," Art Spiegelman's "In the Shadow of No Towers" and Joe Sacco's "War's End"—had their best year ever in 2004 and look to grow even more in 2005. In the United States, sales of graphic novels have leaped from $75 million in 2001 to $207 million in 2004. Booksellers in America, Britain, Germany, Italy and South Korea cite graphic literature as one of their fastest-growing categories. In Borders, one of America's largest bookstore chains, graphic-novel sales have risen more than 100 percent a year for the past three years. In France, where comics have long been mainstream, sales are reaching record highs, up 13.8 percent to 43.3 million copies in 2004; indeed, five of the 10 best-selling books in France last year were comic books. Manga, which already represents 20 percent of Japan's publishing market, is also spreading rapidly in South Korea, Thailand and other countries; in many cases, locals are buying American versions of the originals in an effort to learn English.
Move over, Spider-Man. Graphic literature has finally broken out of hobby shops and into the mainstream. Superhero fantasies have given way to grittier, more pointed works grounded firmly in reality. Academics in the United States and Europe are teaching comics as literature in the classroom. Books like "Persepolis"—as well as Sacco's "Palestine" and "Safe Area: Gorazde," and Guy Delisle's "Pyongyang"—are held up not only as great literature but also as instructive guides to global conflict zones. Polish graphic artists are commemorating the country's upcoming 25th anniversary of Solidarity with a slew of new comics. Once the province of indie publishers, graphic novels are now turned out by serious houses like Pantheon in New York and Jonathan Cape in London. Museums like New York's Whitney and London's Institute of Contemporary Art exhibit cutting-edge comics as art. In France, Minister of Culture Renaud Donnedieu de Vabres presided in May over the first national celebration of comic books (one of nine officially recognized arts), knighting comics artists from Japan, France and Belgium. Said Donnedieu, "I wanted to mark my attachment to this sector of creativity, to honor its beauty, its irony, its sometime ferocity, its perpetual imagination."
Indeed, the genre knows no rules or boundaries. The term "graphic novel" was popularized by Will Eisner, one of the first artists to elevate the medium beyond pulp fare with his 1978 work "A Contract With God," depicting his childhood in a Bronx, New York, tenement. Three decades on, publishers and retailers often use "graphic novel" to distinguish one-off books from the serialized ones put out by companies like Marvel and DC Comics—but many of the artists themselves prefer the outsider status that "comics" connotes. (In Daniel Clowes's new novel, "Ice Haven," comic-book critic Harry Naybors pontificates about nomenclature, finding the term "comics" superior to the "vulgar marketing sobriquet 'graphic novel'.")
The themes—war, oppression, terrorism, racism—as well as the drawings themselves are becoming increasingly sophisticated. "For decades, comics have been little more than yet another commercial tool to cheat children out of their lunch money," says Chris Ware, author of the much-heralded "Jimmy Corrigan: The Smartest Kid on Earth," the story of four generations of downtrodden men in Chicago. "Slowly, that's changing, with a growing number of genuinely artistically minded people starting to draw them, and the subject matter migrating to screenplays and Hollywood films."
Every month seems to bring a new film based on a comic book. Ironically, it was a drop in sales of serialized comic books like "Superman" and "Spider-Man" that helped catalyze the movie deals. Hollywood producers keen to show off new digital technology jumped on superhero content, and reaped the rewards of the built-in audience for superhero films. The mass-market exposure of the characters, in turn, started driving more people into the comics sections of their bookstores, where they discovered manga and graphic novels. Now those genres are getting more play on the big screen, too—witness the recent film versions of Frank Miller's "Sin City," Clowes's "Ghost World," Max Allan Collins's "The Road to Perdition" and Alan Moore's Jack the Ripper tale "From Hell."
The rise of serious graphic literature is less a new phenomenon than a return to a forgotten one. Rodolphe Topffer, a German illustrator who made Europe's first interdependent combinations of words and pictures in the early 1800s, was admired by Goethe. Charles Dickens's first works used pictures. As with so many things, Europeans invented modern comics—and Americans commercialized them. By the early 20th century, comic strips had taken off in U.S. newspapers, snapped up by hordes of new immigrants who used the universal language of images to learn English. Comics remained high art on the Continent, but in the Anglo-Saxon world they became mass-market pop fare, read, discarded and used to wrap fish. The rise of the sci-fi/superhero comic books in the 1950s did little to clean up the reputation of graphic literature.
So the 1986 publication of "Maus," Spiegelman's Pulitzer Prize-winning graphic novel about his parents' survival of the Holocaust (Jews were drawn as mice, Germans as cats), was a revelation.
M A U Sat the National Museum of American Jewish History.Exhibition closed on December 31, 1996
"I had thought that comics were all about superheroes," says Satrapi. "I remember seeing 'Maus' and thinking, 'Wow, you can do that?' and then, 'Yeah, and why wouldn't you do that?' " For at least a decade, no other comic novel approached the significance of "Maus."
The fact that so many do now is testimony to Spiegelman's godfatherlike role in graphic literature. For years he has spread the good word about comics (with the help of his French wife, Francoise Mouly, who is in charge of cover art for The New Yorker magazine), publishing smart comic magazines and mentoring top artists like Ware, Clowes and Satrapi. Given the outsider reputation of comics, it's no wonder that these same artists now express ambivalence about their acceptance by the cultural elite. "It's a Faustian bargain," says Spiegelman, for a medium that has traditionally been populated by outsiders to be discussed by academics and bought by the cozy middle classes in mainstream bookstores. "But at least we're a category now, and there is a place for more people to see the work."
Of course, the comic book benefits from the fact that we live in a visual world, communicating as much through images as through words. But even as comics lend themselves so well to the digital age, they also have an almost artisanal sensibility that appeals at a time when so much communication is virtual and ephemeral. "Part of the pleasure of a book is its object-ness," says Spiegelman. "Graphic novels inhabit that completely." "In the Shadow of No Towers" is printed on 12 heavy cardboard pages like a children's board book. The beautifully detailed panels in "Jimmy Corrigan," almost Victorian in their intricacy, make it feel more like a piece of artwork than a novel. Creating these books is akin more to sculpting than to writing; each panel is drawn by hand, and entire novels can take a decade or more to create. "It's work for a monk," says Satrapi.
The comics universe will undoubtedly continue to expand. A number of new releases, like Clowes's "Ice Haven" (which crosses the adolescent angst of "Ghost World" with "Simpsons"-style social satire) and Satrapi's "Embroideries" (frank talk about the sex lives of Iranian women), are already racking up strong sales. In October, in honor of the 20th anniversary of "Maus," Spiegelman will publish "Meta Mouse," a collection of sketches and background work from the original. Bidding wars for hot new titles are heating up; W.W. Norton has reportedly paid a hefty advance for R. Crumb's version of the Biblical tale of Genesis. Beyond this, manga publisher Tokyopop recently cut a deal to serialize manga in the hugely popular U.S. teen magazine CosmoGirl. And rival publisher Dark Horse plans to launch a series of manga Harlequin romance novels.
Meanwhile, the movies just keeping coming, with stars like Natalie Portman, Charlize Theron and Nicolas Cage soon to be seen in comic-book adaptations. Offerings this fall include "V for Vendetta," based on an Alan Moore novel set uncomfortably close to reality in a totalitarian London under siege by terrorists. "Art School Confidential," an adaptation of Clowes's comic about a disgruntled art-school student—starring John Malkovich—is due in September. Meanwhile, Satrapi is penning a French animated version of "Persepolis" and is in discussion with an American studio about a possible English-language version. "There are still so many stories that can be told by comics," she says. "It's a relatively new medium, but I think it has a really long and beautiful future."
With Tracy McNicoll in Paris, Mary Acoymo in London, Mark Russell in Seoul and Kay Itoi in Tokyo
© 2005 Newsweek, Inc
Sometimes He drops by...
بلاد العشق البعيدة
أن تكون وحيدًا
عن جدو اللي بيشده
Monday, September 05, 2005
مصر ؛ شحوب الكف والجسد
يصعب عليك تخيل المشهد ما لم تكن طرفاً فيه
يطلق الضابط صافرته ليفتح عساكر المرور أبوابهم الحديدية أمام زملائي المواطنين سامحاً لهم بالعبور نحو الضفة الأخرى. يهمس أحدهم ساخراً كمن يتمتم لنفسه : "إفراج".
الحواجز الحديدية تزداد. حاجز وراء حاجز وراء حاجز. الحواجز الخضراء المذهبة لم تزد انضباط المواطنين.
لا تحتاج لحك رأسك لتستنتج أن المسئول عن المرور في أهم وأكثر ميادين القاهرة ازدحاماً قد تم نقله من إدارة أحد السجون حديثاً. كما أن به أهم ميزة تؤهله لإدارة المرور في هذه المنطقة الحساسة ؛ العته.
هذا الشخص لم يستخدم المواصلات العامة لربع قرن على الأقل. لا أوتوبيس لا ميكروباص لا ميني باص. فقط تكييف المرسيدس داخل العربة، ونباح المواطنين في الخارج، والآن فكر في ميدان رمسيس كدولة وفي المسئول عن المرور كرئيس.
يصعب عليك تخيل المشهد ما لم تكن طرفاً فيه.
أكره أن أفسد رومانسية الموقف لكن الأمر –في الواقع- يزداد سوءاً كازدياد المكياج فوق وجه قبيح. كلما ازداد "سُمك" المكياج، كلما اضطر علماء الجيلوجيا للبحث عن الوجه في أعماق سحيقة وربما في منطقة أخرى.
كثير من الشباب يتابع المشهد الانتخابي بحماس يليق بفيلم بورنو (تقترب فيه بائعة الهوى من ربيع الثمانين).
أجلس على المقهى حيث المشهد المعتاد. أكواب الشاي. قرقرة الشيشة. وقواشيط تضرب خشب "الطاولة" فيما يشبه الرئيس القادم. "شيش بيش". تفلت سبة هنا. حركة بذيئة هناك. بينما تخطف الأبصار نظرة لقناة "ميلودي" أو "روتانا" كليب "الغنائيتين"-. ربما موهبة جديدة في الغناء تشاطر المشاهدين موهبتها التي تعتمد على انحسار منسوب العفة وعلى الغناء أحياناً ،وتبقى الحياة هي الحياة.
تقرع طبول الانتخابات في عالم يسوده الصمم جزئياً، ويسود انطباع بأنه لا فائدة من استخدام صوتك فالأمر محسوم مقدماً. يقول أحدهم ساخراً "الله في السماء ومبارك على الأرض" ثم يضيف آخر "وأمريكا بينهما".
مجموعتنا التي لا تقل عن الـ20 فرداً. صحفيون. رسامون. ممثلون. مخرجون. كتاب سيناريو. قصاصون أو روائيون.
الذقون النابتة حديثاً تعكس اكتئاباً عابراً أو ربما حياة شخصية ضامرة. الوجوه بعضها حليق وبعضها متروك لتجاهل أمواس الحلاقة. الأعمار تدور في فلك العشرينات وقلما يخدش أحدهم حياء الثلاثين –مثلي- والهموم أكثر قسوة وبساطة : لقمة العيش. البحث عن ملابس جديدة. تأمين "الكيف" أو "المزاج" وإن اختلف تفسير الكيف بين شخص وآخر. للبعض لا يتعدى الأمر كوب شاي وسيجارة كيليوباترا. عند ثاني قد تصبح زجاجة "هينيكن" تقدم باردة مع الفستق الحلبي. وعند ثالث قد تكون سيجارة أكثر سمكاً ورقة. أو ربما جسد يقبل الإنثناء ويرحب بالابتكار وأصحاب المواهب من ذوي الأطراف الخاصة.
لم نعاصر سوى رئيسنا المحبوب مبارك ولعلنا لن نعرف الفارق فكلنا نعلم أن "من يسقط في المجرور يفقد القدرة على تمييز الروائح".
يصعب عليك تخيل المشهد ما لم تكن طرفاً فيه.
مشاهد الانتخاب تشبه حركة الـ(Copy) والـ(Paste) على الطريقة الأمريكية مع فارق تافه فهي هنا تتم بلا طعم بلا لون أو –لا سمح الله- رائحة.
اللافتات الجديدة التي يظهر فيها الرئيس بقميص أبيض ودون سترة كنوع من التودد. دونما نظارته الشمسية ناظراً نحوك. التقاء العين الذي يذيب الفواصل (والمفاصل) والأخضر الغامق في الخلفية يريح الرؤية.
صرعة "النيو لوك" التي تجعل من الخرتيت فراشة، والقزم عملاقاً. (ولا أعني بتشبيهي الوقح رئيسنا المحبوب طبعاً).
يقول أحدهم شيئاً عن رغبته في انتخاب مبارك. فتتوقف ضربات القواشيط ويهدأ كل شيء فيما يشبه الحركة البطيئة في أفلام "Timur Bekmambetov". فيضيف : "فكرو بالمنطق، إذا لم تبطل صوتك وأردت استخدامه في نفع الوطن فوسط المرشحين الكومبارس لا يوجد للأسف الشديد من يصلح لمقعد الرئاسة سوى مبارك". يشيح أحدهم بوجهه "وماذا عن أيمن نور؟" فيصيح ثالث بأنه "عميل ويقبض من الأمريكان". وهنا يعود الأول بابتسامة ليكمل تقليب كوب الشاي جواره بينما يشعل الثاني سيجارته من جمر شيشة ينعكس على عينه القريبة ويكمل : "معك حق.. من يقبض من الأمريكان باستثناء الرئيس.. عميل وخائن".
فيعود الصمت المشوب بالحذر من وجود بعض المخبرين الذين تمتليء بهم المقاهي بشكل شبه فكاهي. يذكرنا بمقولة لكاتب ساخر شهير مفادها أن "المخبر هو الوحيد بين الجالسين الذي لا يعرف بأنه مخبر".
ثم يكسر رابع حظر الكلام ليقول شيئاً عن قريبه الذي يدير مشروعه الصغير، وعن لافتات المبايعة الإجبارية التي أجبرته "البلدية" على رفعها تأييداً لمبارك. وهي لافتات سمجة تبدأ غالباً بالكليشيه الأساسي "مطاعم (....) لصاحبها (فلان) تبايع بكل الحب مبارك رئيساً لكل المصريين..". وذلك اعتماداً على وجود مخالفات وتجاوزات حتمية لكل أصحاب المحلات والمشاريع بدأً من تهمة شغل الطريق العام وغيرها من التهم الخيالية التي تحتم الإزالة وتكتفي فيها "البلدية" برشوة خفيفة يقبلها الموظف على مضض لأنه "طيب القلب" ومعطاء بطبعه.
أما لو كنت لا سمح الله سليماً فهنا تتدخل "مصلحة الضرائب" بعرضها السخي المتمثل في إسقاط ديونك للدولة من ضرائب غير عادلة بالمرة مقابل لافتة بسيطة تؤكد ولاءك لمصر التي أعطتك كل خلاياك المسرطنة.
ومن الجهة أخرى هناك تلك الفئة المنتفعة التي ترفع اللافتات كحواريي المسيح. "نبيل لوقا بباوي" يرفع لافتة في ميدان التحرير تقول "70 مليون مصري مسيحي ومسلم يبايعون الرئيس حسني...إلخ" بارتفاع يزيد عن الأربعة أمتار وهناك هالة تشبه هالة القديسين تحوط شعر الرئيس المصبوغ بعناية. ثم تغيرت اللافتة إلى "معظم المصريين يبايعون الرئيس حسني ...إلخ". يبدو أن البعض قد تغير رأيه. سألت صديقي المسيحي المقرب لماذا يضع أحدهم هالة القداسة حول رأس الرئيس. ابتسم صديقي وقال شيئاً عن سير المسيح على الماء وعن سير الرئيس على شعبه.
يصعب عليك تخيل المشهد ما لم تكن طرفاً فيه.
حملة مبارك 2005. لا تثير – بين معظم المصريين من جيلي- سوى مشاعر الغثيان المعتادة. الكل يشرب المياه المعدنية –وهي عادة لا تنتشر بين سكان القاهرة الأصليين- خوفاً من الماء الملوث. وفي ذهننا يرتبط الماء على الأرجح بالنيل كما في اختبارات "بافلوف". عندما تزور مصر سيبادرك الجميع بمقولة شهيرة.. "عندما تشرب من النيل لا بد وأن تعود له ثانية.." آه لو رأيت منظر النيل الضارب إلى السواد أعتقد أن الجملة المكملة ستكون شيئاً من طراز ".. لتبصق فيه طبعاً".
النيل كف مصر الذي يكشف لك طالعها السياسي تماماً، لذا يمكنك دون مجهود أن ترى شحوب خط القلب المنهك في باطن الكف اليسرى. لتعرف أن شحوب الكف يخفي عياء الجسد الذي ترهل.
اتهامات الخيانة تريح ضمير الخونة. دائماً. أنت لن تفهم هذا أبداً ولك العذر كله إذ يصعب عليك تخيل المشهد ما لم تكن طرفاً فيه
Sueddeutsche Zeitung