designed by: M. Aladdin & H. Fathy

Sunday, October 31, 2010

انتخابات 2011.....









اخراج وكتابة: احمد العايدي

ابراهيم


فاز فيلم حاوي بتاع صديثقي العزيز ابراهيم البطوط بجايزة احسن فيلم في مهرجان ترايبكا الدوحة.. بجد خبر حلو.. خبر بيدي امل لأي .حد بيعمل حاجة بجد، خبر زي ابراهيم نفسه: مشجع وايجابي ومليان طاقة ايجابية. خبر زي ابراهيم كده، اللي بيقابل كل الناس بابتسامة تفاؤل وكلام ابيض من اللبن الحليب

مبروك يا ابراهيم.. مبروك لكل اللي بيحبوا السينما

Thursday, October 28, 2010

لمن تدق الأجراس؟؟


 No man is an island entire of itself; every man
is a piece of the continent, a part of the main;
if a clod be washed away by the sea, Europe
is the less, as well as if a promontory were, as
well as any manner of thy friends or of thine
own were; any man's death diminishes me,
because I am involved in mankind.
And therefore never send to know for whom
the bell tolls; it tolls for thee.

John Donne
.......................................

For Leri Price....


Artwork by Camilla Mathias

Wednesday, October 27, 2010

Tuesday, October 26, 2010

Thursday, October 21, 2010

فرحة المتوسطين


كان يتصل بي ليخبرني بفخر عن نجاحه في الانضمام إلى نادي وادي دجلة الذي يبدو أنه الملاذ الأخير لمن هم مثله لم يرثو اشتراكات نوادي أولاد الناس.
لاحق تحدث بسخرية عن شعوره بالنقص طوال عمره (هو في منتصف الثلاثينات) لأنه لم يكن أبدا عضوا في أحد هذه النوادي. الحقيقة أن معظم أبناء الطبقة شبه المتوسطة عرفوا هذا النقص بشكل أو بآخر خلال فترة الجامعة، من هم في نفس عمره، حضروا آخر جيل من أبناء الناس المستريحين أثناء ارتيادهم الجامعات الحكومية قبل انبلاج فجر الجامعات الخاصة.
كان يمكنك ببساطة ملاحظة الفوارق الجسدية الفادحة بين المتوسطين والمستريحين. هؤلاء الأولين ليست أمامهم خيارات كثيرة بخلاف كرة القدم، وإذا تم رفضك باختبارات مركز الشباب والنادي الأهلي فسيكتب عليك ممارستها للأبد في الشارع أو البعد عن الرياضة والتحول إلى دودة كتب، والاختيار الأخير ليس حقيقيا لأن معظمنا كان يعاني من فقر التنوع في الثقافة التي تلقاها في صغره، مع تشوهات تليفزيونية شهيرة.. بعضنا تخرج من الجامعة وهو يقرأ بصعوبة، وأعتقد أنني أجد رواجا في مهنة الكتابة لأن الملايين من هؤلاء المتوسطين يجدون الكتابة مهنة أسطورية، تافهة لكن لا أحد يمكنه ممارستها.
المستريحين، معظمهم كانت التربية الجيدة تبدو واضحة على أجسادهم، معظمهم انتظموا في 3 رياضات على الأقل خلال طفولتهم المبكرة، منها السباحة بالطبع، وهي المهارة التي أجد رجالا متوسطين ناضجين لا يجيدونها لأنهم قد فاتهم الوقت على تعلمها. لقد تحطمت أسطورة أن الله يبسط القوة الجسدية للفقراء، وهم يحتاجونها فعلا، أجيال هزيلة سترث أجيال هزيلة، سوء التغذية وانعدام الرياضة هي الخبر الأصدق.
يتوصل المتوسطون لحل وسط كالعادة، بجنيهات قليلة في صالات ألعاب تقرقع بها أصوات أوزان الحديد (البلدية) يمكنك إخفاء عدم تناسق الجسد وضعف عضلات الأكتاف. في أيامنا كانت كانت هناك صالة الحسيني، بالقرب من السوق، لكننا كنا نبدو داخلها كالآنسات الرقيقات مقارنة بنوعية مرتاديها، كانت بلاسقف وأرضيتها ترابية. أقرب صالة محترمة كانت في ميدان الحجاز بمصر الجديدة، على حدود العالم المعروف لنا أيامها (الكون وقتها كان ينتهي بالقرب من مدينة نصر وبعد وسط البلد مباشرة)، لكننا هناك نبدو مثلا الفلاحين بملابسنا التي تبقت من الطفولة لأنه من الصعب إقناع الوالد بشراء ترينج إضافي (لقد اشتريت لك واحدا منذ 3 سنوات)، لكن الأزمة انحلت من نفسها بافتتاح السلام جيم، كانت أرضيته مغطاء بالموكيت، وبه أجهزة (نعم والله)، ورواده معظمهم مثلنا ومنهم تلاميذ يريدون تجهيز أنفسهم مبكرا للكلية الحربية (لا تنسى أنه عليك تنفيذ 30 ضغطة أو 20 عقلة لأنك ستخسر درجات السباحة بالطبع)، وفي النهاية كان يمكن للواحد إرهاق نفسه طوال الشهر بأقل من 20 جنيها.
لم نكن أبدا فقراء، والدي كاني مشتركا في نادي يتبع الشركة يقع في منطقة شعبية، لكننا كن نجد أنفسنا مرتعبين من الأوباش الذين يهبطون من البيوت الفقيرة المحيطة به للترازل على التلامذة أمثالنا، جاء لوالدي عرض بأن يشترك في النادي الأهلي الجديد مقابل 500 جنيه في التسعينات، لكننا نحن المراهقين رفضنا لأنه لا يمكننا استقلال المواصلات لهناك. لماذا لم يشترك أبي مبكرا في أحد النوادي المستريحة عندما توفر له هذا؟ لم يفعل لنفس السبب الذي منعه من شراء أرض في مدينة نصر أثناء بزوغ فجرها، وهو نفس السبب الذي جعله يفضل شقة في العجمي عن الساحل الشمالي، وشقة في سراي القبة بسعر فيلا في الرحاب. نحن المتوسطون ننظر للعالم الخارجي برعب، ونسعى أن ننتقل لأعلى، لكن بمجرد وضع أطراف أصابعنا في البحر الجديد، نصاب برعدة برد، ونشعر بهشاشتنا وانتظارنا لراتب الشهر القادم. من الأفضل أن تبقى في ما تعرفه (بنفس هذه الآلية نجح مقاول أنفار مثل حسني مبارك في اعتلاء أول دولة في التاريخ لمدة 30 عاما، وهي مدة لم ينجح فراعنة كثيرون في الوصول لها على العرش).
لقد مارست الكاراتيه وكرة السلة، وتعلمت العوم لحسن الحظ، رفضت كرة القدم باستعلاء، كنت نحيلا من الأعلى بفخذين ومؤخرة تخص جوريلا، لكن هذا كان يمكن إخفاؤه في السلام جيم. لكن اي رياضة مارستها كانت على مسؤوليتي الشخصية، لم يحضر والدي لبطولات الكارتيه مثلما يحدث بالأفلام الأجنبية (أحمد الله أنه لم يفعل ليشاهد ابنه يتعرض للضرب بقسوة).
النوادي فرضت نوعا آخر من الحصار علينا نحن المتوسطون، فلكي تزيد فرص تعرفك على فتاة يقل وزنها عن 60 كيلوجراما، كان يجب عليك أن تتحرك في دوائر النوادي. كان هذا أمرا عاديا بالنسبة للمستريحين، معظمهم تربوا مع فتيات رشيقات في الفرق الرياضية وأصبح على الفتيات أن يصبحن جميلات فعلا حتى يلفتن أنظار الشبان المستريحين (تعريف المتوسطين للأنثى الجميلة كان عجيبا وقتها، بعضنا كان يصاحب فتيات أكثر رجولة منه)، كان عصرنا الذهبي عندما تكفل صديق من الجيل الثاني بأعضاء نادي الشمس في إدخالنا (بل أن والده تصرف في مشاركتي بأحد الفرق هناك)، واكتملت الدائرة السعيدة بتعرفنا على آخر يمتلك سيارة 128 ذات كاسيت وأكوالايزر (أتذكر أنه كان يخبر العامل في محل شرائط الكاسيت بأنه يريد شريط أكولايزر).
لم ينجح أحدنا وقت الجامعة في اختراق كبير وسط البنات المستريحين، أحدنا نجح في الزواج بواحدة من بنات النادي بعد قصة حب إغريقية، لكنها في الحقيقة كانت متوسطة مثله لكن والدها الذي يعمل منذ 20 سنة بالخليج كان يعوضها عن غيابه بهذا النوع من الرفاهية، وبعد عدة سنوات أتى هذا الصديق يخبرنا فخورا أن انضم للنادي على عضوية زوجته.. لقد انتهت رحلتك أخيرا أيها الرفيق.
والآن، معظمنا يعمل برواتب تصل إلى الصفر الرابع، نسكن بأفضل أماكن للمتوسطين، لدينا سيارات وجربنا قروض البنوك، لكننا لم نكسر الحلقة القديمة، لم نصبح بعد من المستريحين، ننظر إلى أولادنا بحسرة ونقرر أنه من الأفضل لهم أنو نوفر مضرب تنس وحمام سباحة، وتعود الحاجة للنوادي من جديد.
لم ينضم صديقي فعليا لوادي دجلة، كان عليه أن يخوض أولا مقابلة شخصية لتحديد إذا ما كان يستحق عبور الحد الفاصل ما بين العالمين. هذه المرة لم يسأله أحدهم عن أصله المتواضع (لا، والده ليس حارس عقار)، ولم يسألوه عن قدراته المالية (فعليا البنك هو الذي سيسأل)، كان سؤالا بسيطا عن مظهره: لماذا تربي لحيتك؟ هل المدام منتقبة؟
الحدود مرة أخرى تزدهر ألوانها، إذا كانت تريد العبور، فعليك أن تتبع قوانين الجانب الآخر، عليك أن تترك وراءك بعض من مظهرك ومعتقداتك القديمة.
سمعة رئيس النادي أنه متعصب تجاه أصحاب اللحى والنقاب، نعم هي عنصرية في مؤسسة عامة لا يجب أن تكون هكذا، لكن ما يجمل الصورة قليلا أنه يمنع أيضا دخول ضباط الجيش والشرطة بالسلاح أو الملابس الرسمية (وكأن هذا يستوجب يحتاج قرارا خاصا)، لكن عنصرية صاحب النادي تعد عرض بسيط ضمن قوانين القشرة الرقيقة التي تعتقد أنها تعبر عن رؤية البلد للدين والتدين، وهي قشرة ثقافية ضحلة ترى أنه لاستمرار مظاهر الدين التي تراها صحيحة، يجب سحب حرية الخيار من الساكنين تحتهم، ومنعهم من الرفاهية والتعليم وحتى التوظف.
لقد نجح صديقي بالاختبار عبر كونه هجوميا ضد موظف أولوياته هي جمع أكبر كم من أموال المشتركين الجدد، أجاب ببساطة ثم سأله عن سبب السؤال، بغبغ الموظف بأي كلام لأن السؤال بالنسبة له غير محوري رغم ديانته المسيحية (هو شخصيا ينتمي للمتوسطين). وبعد النجاح، استطاع صديقي أن يقنعني أنا الآخر بالاشتراك، بل أنه أحضر لي مبلغ كان قد اقترضه مني ليساعدني على دفع مقدم الاشتراك (هو في النهاية لا يرغب أن يكون وحده هناك).
والآن، وقد قاربت الفرحة الكبيرة على الاكتمال، عندما يصبح لي ولأولادي وأحفادي عضوية قانونية وسط المستريحين وأنفذ آخر خطواتي تجاه العالم الآخر، أضع نفسي أمام نفس تجربة السؤال الذي أصابه: هل تعدنا بعدم تربية لحيتك وعدم ارتداء المدام للنقاب؟
لا أعرف.. حقيقة لا أعرف.


محمد حسين

Friday, October 15, 2010

الصوت





مثل كل الأنبياء وبعض المجانين بدأ في سماع صوت واثق يحادثه. وبما أنه بلغ مرحلة آمنة من النبوة فقد تعود على هذا الصوت كروتين حياتي، وبما أنه بلغ مرحلة آمنة من الجنون فلم يصرح لأحد. في البداية انزعج بالطبع، وشك في أنه يستحق مكانًا هانئًا في احد المصحات، واستغرقته هذه الأفكار بعض الوقت، إلى أن همت لنجدته بعض الذكريات، واقنع نفسه بأننا كلنا نستحق ذات المكان، في هذه المصحة أو تلك.
تعود ألا يهمهم برد تحية الصباح للصوت، لكيلا تتفحصه عيني زوجته المرتابة، التي قالت له في يوم من الأيام، وبشكل عابر، أنه من الطبيعي جدًا أن يكلم المرء ذاته. هي ذات القاعدة التي اتبعها مع زملائه في العمل ومعارفه على القهوة.
جرب أن يأخذ راحته ويناقش الصوت فيما يطرحه من رؤى (وهي للحق جديرة بالتأمل) أثناء خلوته في الحمام، ولكنه انتبه لاحتمالية أن يسمع احد أبناءه حواره الطويل (لابد وأن يكون طويلا بعد هذا الصمت)مع الصوت. كان يبذل مجهودًا حقيقيًا ألا يرد، فقد كان هذا الصوت أليفا للغاية، صوت ذكوري هادئ كاد أن يظن أنه صوت أبيه لولا هدوءه الملفت.  حاول التركيز جيدًا مع جمل الصوت الطويلة عادة، فقد يقول شيئًا يؤكد القرابة اللصيقة، أي نوع من أنواع الذكريات أو الحكايات قد يجد نفسه فيه، أو أخته، التي كان يعرف كم أحبها الأب، أو عمه الذي أنهك نفسه وأنهك أبيه في خصومة بلا معنى، أو أمه، والتي كانت لها مع الراحل صولات وجولات، وبلغت علاقتها به-ككل زوجين-منطقة لا يُعرف فيها الحب من الخصومة. ولكن لا شيء. لم يأخذ من هذا التركيز الشديد إلا بعض من الشاي الساخن الذي صبه فوق حجر بنطاله بلا وعي بينما هو يقصد فمه، على الأقل منح زملاء المكتب ابتسامات عابثة عندما رأوا موضع البلل.
يتحدث الصوت عن أشياء تبدو بسيطة جدًًا، ولكنها وعلى بساطتها كانت له أكثر الأشياء أهمية للتفكير فيها. مسألة العجلات مثلا: تلك الدوائر الملتفة وراء بعضها بمركزها الذي يرسل قوائمه لحواف الدائرة، والتي يمكن لخيالها أن يلف في عكس حركة الدائرة أحيانًا، وهذه السيور المعدنية التي تلتف حول الدائرة المسننة التي تحركها الأرجل. كيف كان الإنسان متفوقا على الأسد الذي لا يعرف العجلات.
كان حوارًا عميقًا ولكنه-وككل الحوارات العميقة- لا يخلو من ثمن مستحق، فعندما رأى رئيسه أن تقريره الأخير تضمن اسم احد الزملاء مكتوبا هكذا "فلان عجلة" استبد به الغضب ووبخه بشدة على وقاحته العجيبة تجاه زميله هذا وفي مستند رسمي.  هكذا لم يتحدث الصوت لا عن حكايات قرابة ولا شفت نبراته عنها، ولكنه وجد نفسه يفكر في إن كان هذا بالفعل صوت أبيه، بعدما اكتسب شيء من الهدوء أخيرًا. قال لنفسه أن هذا الصوت أكثر ذكاء بكثير. خجل من نفسه فعاد ليفترض أن الرجل قد حاز الهدوء والذكاء بعدما مات. هكذا عاش في ألفة، دعمتها أنه استدان الكثير ليشتري عربة بالتقسيط فرح بها ابنه البكري في البداية لأسباب يمكن تفهمها، قبل أن يدرك أن الأب لم يترك وقتًا يمكن استغلاله إلا ومكث في عربته، دفع عن طيب خاطر ديون العربة المعنوية من توصيلات ومهام للأقرباء والأصدقاء، ثمن البنزين ومبلغ القسط، فقط ليختلي بالصوت قليلاً في كل يوم وألا يكتب عجلة في تقرير رسمي أو يصب الشاي الساخن فوق عضوه .
وعلى ذكر عضوه، فقد شكت الزوجة في اختفاءاته العديدة بالعربة، وأخذت تفتش جيوبه وسجل مكالماته ورسائله في تليفونه المحمول، علها تجد أنثى هنا أو هناك، ولما لم تجد بدأت في التفكير في احتمالات أخرى منها إدمان المزاج، وهو نفس الخاطر الذي داخل الضابط الذي رأى رجلا خمسينيا يلوح بيديه في حماسة، ويتكلم في سرعة، جالسا وراء مقود عربته الرابضة في شارع جانبي. وعندما فتشه جيدًا وأدرك بخبرته أن الرجل في غاية التيقظ (بشكل إكلينيكي فحسب)، أحس بالحيرة لأنه لم يجد ما يقوله فتركه يمضي.
سألته زوجته بعدما أعيتها الحيل سؤالا مباشرًا: ماذا يفعل بالضبط عندما يختفي هو وعربته في اغلب اليوم؟
الرجل، والذي كان، ككل موظف صغير في الرتبة كبير في السن، يجد عسرًا كبيرًا في مواجهة الأسئلة المباشرة أجاب أنه يجلس في العربة ليفكر قليلاً.
بالطبع كانت هذه نكتة طاردته ما بقى له من حياة، واستغلها ابنه في التشفي بالطبع، وحكتها امرأته لصاحباتها في متعة، وذكرها هو لنفسه بغيظ، ولكنه لم يترك هذا ليستغرقه، هو في حواره الطويل مع الصوت، الصوت الذي ملك عليه الحياة لأنه كان مثل العدسة التي تنقل له صورة صافية ومفهومة للحياة، فعلى سبيل مثال آخر: مات مجدي زميل العمل ميتة عجيبة، فعندما صدمته شاحنة ضخمة، وهو يعبر الطريق السريع قادما إلى العمل، قام سالمًا ببعض من الرضوض البسيطة، ولكنه، وهو يفكر في لطف الله ورحمته، بينما هو يجرع من كوب القصب الذي كافئ به نفسه، فقد استغرق في التفكير حتى صب بعض من القصب في رئته فاختنق ومات. اخبره الصوت بأن هذه الميتة تلخص مجدي ذاته؛ هو من البساطة حتى لا يحتاج شاحنة بحالها لقتله. هكذا وجد نفسه يفهم مجدي أكثر بعدما مات.
وهكذا عندما قرر الصوت الاختفاء في يوم، لم يكن من الصعب عليه ألا يضطرب.
بدأ الموضوع بتناقص في الزمن، لم يعد الصوت يحادثه في ساعات الصحو حتى المنام، بدأ يخفت صوته، وتبتعد جمله، حتى بتر عبارة ما يقولها له، وهو جالس يستمع إليه في شرفة المنزل، جالسا مع بعض الأقارب الذين تحتم عليه ضيافتهم. حاول أن يخفي انزعاجه عن ضيوفه ولكنه وجد نفسه يصرخ في امرأته عندما نسيت أن تضع له السكر في الشاي ساعتها. نظر إليه الضيوف في تفاجئ وهكذا فعلت الزوجة التي لم تفهم لما بدأ زوجها في الذبول بعدها، لم صار معتكفا في غرفته بعد رجوعه من العمل (وبعد فشل محاولاته، وحيدًا في العربة، لمناجاة الصوت). لم تعرف لِمَ بدأ الزوج بعدها في تجاهل العمل، والرقاد في الفراش نائمًا كحجر لا يستجيب لكلمة أو لدفعه يد (وهو الشيء الذي سر ابنه البكري الذي صار يستولي على العربة في كل مساء.)
وعندما وجدت علبة المنوم لم تعرف ما الذي دفع بزوجها لاستخدامها من الأساس. ببساطة لأنها لا تعرف أن زوجها قد صاحب صوتًا اختفى في الصحوة، وبدأ يزوره في المنام، وصار على الزوج أن يطارده في كل ليلة، ثم صار يمد الليل نفسه حتى يرى الحياة كما رأها معه. صار يقوم ذاهلا ليلوك شيئًا يبقيه حيًا، أو ليذهب ليفرغ أحشائه، قبل أن يعود لرحلته الممتدة.
غافله المنوم وأرسله لنوم أكبر، عندما استغنى عن الطعام والشراب وصار يفرغ أحشائه حيث ينام، وما هال الزوجة ليس البول والخراء والعرق الذين التصقوا بجسد زوجها، ولا جسده النحيل كأصبع، ولا ذقنه الطويلة أو قدميه المتشققتين، ما هالها هي ابتسامة سعيدة، سعيدة جدا، كانت ترفل فوق وجه الجسد الميت.

All The Single Ladies

Sunday, October 10, 2010

.. يا سلام


But, no. Unlike many writers, his dear friend John Cheever among them, Bellow was not one for self-doubt. He believed in his talent. In a pair of extraordinary letters to John Lehman in 1951, Bellow rails against the British publisher for not praising him enough. "If you can find nothing better to say upon reading Augie March than that you all 'think very highly' of me, I don't think I want you to publish it all," he writes. Later he adds: "Now, I know you haven't seen anything like my book among recent novels. I've been reviewing them; I know what they are. They're for the most part phony, or empty-headed, banal and bungling. I should have thought it would do something to you to see Augie." To adapt the song: I may be wrong, but I think I'm wonderful.

Saturday, October 09, 2010

عيسى..


في يوم من ايام سنة 2005 أو 2006-لا اتذكر على وجه التحديد- كنت في الطريق إلى سيوة مع بعض الاصدقاء، وعندما توقفنا لشرب بعض الشاي ولتحريك بعض العضلات المتيبسة آتاني اتصال هاتفي. كان المتصل هو د. علاء الاسواني، الذي وجدته يقول لي "لقد قرأت مقالك عن ابراهيم عيسى.. مقال رائع". استغربت الأمر وسألت علاء الاسواني إن كان قد قرأها على مدونتي (وهي المكان الوحيد الذي نشرتها به). قال الاسواني لا.. لقد قرأتها منشورة في الصفحة الاخيرة بصوت الأمة!

بالفعل وجدت المقال في الاسكندرية على ما اظن-بعدما رجعت من سيوة. نشر ابراهيم عيسى نفسه المقال في الصفحة الاخيرة، ضمن مقال الاسبوعي، وقدمها بكلام اكبر من مقاسي. المقالة كانت حادة للغاية وعيسى ينشرها بصفاء نفس في مساحته هو الشخصية. كنت شاكرًا ولا اتذكر إن عبرت عن شكري في هذه المدونة أو لا. المهم، بعد فترة ما من الزمن، اكتشف عيسى أن بيننا اصدقاء مشتركين (صديقي ورفيق رحلة الكتابة محمد فتحي)، وطلب مقابلتي.

وبالفعل تقابلنا، ولا انسى عرضه الكريم بالعمل في الدستور، ولا انسى أن قلت انني منذ فترة وانا كل علاقتي بالصحافة-التي اعتزلتها مبكرا-هي كتابة المقالات، وهو الأمر الذي اظنه متجاوزا، فقال ابراهيم "نحن مكان متجاوز اساسا، وانا اريدك معنا". بالفعل كتبت مقالين أو ثلاث، نشر منهما واحد في شكل لم ارض عنه كثيرا، فأنا-و "بنمكية" الكُتاب- لم استسغ طريقة اخراج المقال، الذي بدا وكأنه تقرير أو تحقيق، وبكل الكسل توقفت عن الكتابة، وإن كانت العلاقة الطفيفة ما بني وبين ابراهيم عيسى قد بقت جيدة وودية.

اقول مجرد شهادة في حق رجل لم يضطر لنشر مقالي الذي ينتقده، بل واستقبلني بكل المودة. هي شهادة في حق رجل تعرض إلى ما لا يرضاه أحد، ولكنني اذكر نفسي بأنه خرج خروجًا مشرفًا جدًا، كرجل لم يساوم ولم يقايض على مبادئه أو معتقداته.

اقول لنفسي هذه ليست نهاية، هذه مجرد بداية جديدة.

7 اكتوبر..

النهاردة كان 8 اكتوبر، وفي الوقت اللي انا نشرت فيه البوست ده دلوقت ح يبقى 9 اكتوبر، وانا عيد ميلادي كان 7 اكتوبر، الميعاد اللي كنت باكتب فيه تدوينة ما في كل سنة، معاها صورة فاضلة لسعادتي.

المرة دي بما اني معنديش اي كلام، وبما اني ما اتصورتش من اصله، ويمكن علشان حابب ان ربنا يقطعلي العادات- لأن العادات ممكن تكون مملة للناس قبل ما تكون مملة بالنسبة لي- مش ح اكتب حاجة من اصله.

كل اللي ممكن اقوله أن السنة اللي فاتت كفاية عليها اني خطبت رسميا شريكة الحياة، وكمان تخليت عن عزوفي عن الجوايز.. دي الاخبار باختصار مش عارف ان كان مخل ولا لأ.

كل اللي ممكن اكتبه اني اتمنى لكل حد في عيد ميلاده انه يكون عنده شوية أمل.. يارب.. يارب جميعا.

Thursday, October 07, 2010

قصة النجاح!





يمكن من اجمل الحاجات ف الدنيا ان جامعتك تكرمك بعد ما تسيبها بعشر سنين، وكمان تقول كلمة الخريجين في حفل تخرج الدفعة الجديدة من كلية الآداب بجامعة حلوان باعتبارك حاجة يعني.. ده نص الكلمة اللي ما اتقرتش اساسا لأن سيادة رئيس الجامعة اتأخر عن الاحتفال ساعة ونص، وكمان استاذه في كلية الطب طلع اتكلم حوالي 25 دقيقة في اي شيء ماعدا الحفلة. وبيني وبينكم يمكن انا مكنتش ح اقراها اساسا من باب اني ما احرجش حد..

على كُل، ادي نص الكلمة، اللي ركزت فيها على خريجي الاعلام باعتباري انا شخصيا خريج اعلام..

ولكل اللي بيقرا الصفحة دي حالا: مساء الورد

J

....................................

قصةُ النجاح، أسرارُ النجاح، شهوةُ النجاح، قمةُ النجاح.

قصةٌ واسرارٌ وشهوةٌ وقمة، ويمكننا إضافة عديدٍ من الكلماتِ الطنانةِ أيضا على مثلِ خلطةِ النجاحِ واستمرارِ النجاحِ، وإلى غيرِ ذلك من بخورٍ يُحرقُ أمام مذابحِ النجاحِ. النجاحُ: هذا الشيءُ الذي أضلَّ الكثيرين كما أهدى الكثيرين؛ هذا الوحشُ جميلُ الصورةِ بهيُ الطلعةِ، الذي حوّلَ البشرَ إلى ببغاواتٍ تُسبّحُ بحمده وتتعلقُ بأهدابِ بردتِه. النجاحُ، الذي يمكنني أن أقولَ لكم، بشكلٍ قد يصدمكم، أنه يمكنه أن يكونَ من أحقرِ الأشياءِ وأحطِها.

وقبل أن أسمعَ أنينَ اعتراضِكم، أو أرى نظراتِ الدهشةِ في أعينِكم، وقبل أن تتسرعون بالأحكام، دعونا لمرةِ واحدةِ نفكرُ في معنى النجاح: النجاحُ في أقلِ معانيه، هو مجردُ إتمامِ العمل، فيمكنني أن أقولَ "لقد نجحتُ في طبخِ شربةِ البصل"، أو "نجحتُ في النزولِ على السُلَم"، وطبعا لا أنا ولا أنتم نتكلمُ عن تلك العتبةِ الأولى في تعريفِ النجاح، نحن نتكلمُ عن نتيجتِه الباهرةِ زاعقةِ الألوانِ، والتي تعني ثلاثَ نقاطٍ رئيسيةٍ:

1- الشهرة.

2- الثروة

3- وهذة نقطةٌ مهمة: استمرارُ النجاح، أي استمرار الشهرة والثروة إلى اقصى ما تسمح به الاقدار.

حسنا، بحسب هذه النقاطِ الثلاثِ يمكننُي تسميةَ بعضَ الأشخاص لكم باعتبارِهم حقاً وفعلاً ناجحون: السياسيون الفاسدون ورجالُ الأعمال اللصوص والفنانون والكُتاب المدّعون خاليو الموهبة. كل هؤلاء ناجحون بحق، ومن يشككْ في نجاحِهم وسطوتِهم وسلطتِهم، فسيكون جديرًا به أن يُحالَ إلى قسمِ الأمراضِ النفسيةِ والعصبية. كلُ هؤلاء ناجحون بحق وغيرُ خافٍ عن كلِ عاقلٍ ان كثيراً منهم يستمر في نجاحه (سواءً اتسع أو انكمش) لفترةٍ لا يستهانُ بها.

ويمكنُنا أيضًا على الناحيةِ الاخرى استبعادَ جيوشٍ كاملةٍ من الاشخاصِ الموهوبين والصادقين والصالحين من طابور النجاح: هم لم يعرفْهم احد، ولا تراهم في الصحف بين فينةٍ وأخرى، لم يملكوا شيئًا ولم يعرفوا محافظًا أو يتباهوا بصداقةٍ مع وزير. أجل، هم، وما بين القوسين "فاشلون".

والفشل، بما يعني الفشلَ في النجاح، قد تحوّلَ إلى وصمةٍ ونقيصةٍ وعيبٍ وعارٍ وخرابٍ للديار: كيف لم تعرفْ الطريقَ إلى الملايين؟ كيف لم نرَّ صورتَك في جريدةِ الاهرام؟ كيف لم تقابلْ البيه المحافظَ أو المحترم رئيسَ الحي؟

لقد تحولَ النجاحُ من سمةٍ ووصفٍ إلى قيمةٍ معيارية، فصار هو في حدِّ ذاتِه هدفًا ومبتغى، وصار من الطبيعي ألا يسأل البشرُ أنفسَهم ما هو النجاح؟ وما معنى النجاح؟ والسؤال الأهم: أيُ نجاح؟؟؟!

ما اعرفُه شخصياً أن الموهبةَ والحقَ والجمالَ وإتقانَ العملِ والأمانةَ والصدقَ والنزاهةَ والموضوعيةَ، هي بعضٌ من القيمِ المعياريةِ الحقة، وقد تشأ الاقدارُ فتبتسمُ لبعضِنا، ليجمع ما بين القيمة والنجاح: النجاح كعرضٍ وكسمةٍ وكصفة، وليس كهدفٍ وقيمةٍ في حدِ ذاتِه. ما اعرفُه شخصياً أنّ من أدركَ القيمةَ لا يضيرُه أو يشينُه عدمَ ادراكِ النجاح، وليس العكس. وللأسف فإن العكسَ-وبالذات في حالتِنا الراهنة- راسخٌ وممتدٌ، تساندُه آلياتُ التسويقِ والدعايةِ ووحوشُهُما في حربٍ لا تبقِ ولا تذر، ويساندُه جهلٌ وتخلفٌ وارتباكٌ في الرؤى والمواقفِ وضعفٌ في البنى والبنيان.

والحديثُ عن الشهرةِ والثروةِ والنجاح ضروريٌ في رأيي للفردِ العادي، فما بالُكم في حالتِكم انتم، يا خريجي الإعلام. انتم من سيتوقفُ عليكم كثيرٌ جدا مما ستؤولُ إليه الأمور، انتم كصحافيين، كرؤساءِ اقسام، كرؤساءِ تحريرٍ في وسائلَ الاعلامِ المقرؤةِ والمرئيةِ والمسموعةِ. أنتم يا من ستكونون في خطِ الهجومِ والدفاعِ الاماميين معاً: انتم ستكونون اكثرَ الناسِ عرضةً للفسادِ والإفساد، وستكونون اكثرَ الناسِ قدرةً على التصحيحِ والتوجيهِ والإرشاد.

الإعلام في أقلِ درجاتِه هو معلوماتيٌ وخبريٌ، لابد من موضوعيتِه التامة، وفي أعلى درجاتِه هو ضميرٌ للأمة.. وصوتٌ للمظلومين والمُضامين.

ويؤسفُني أن هناك من الصحافيين والاعلاميين ممن لم يهتموا لا بأقلِ الدرجاتِ ولا بأعلاها. هم اهتموا بالمالِ الذي يأتي من وسائلَ ملتوية، أشهرُها الخلطُ ما بين الاعلامِ والدعايةِ، والشهرةُ التي تأتي سواءً من تملقِ الساسةِ والنافذين أو حتى الجماهير المضلَلَة ونفاقِهم، والاستمرارُ في الشهرةِ والثروةِ عن طريق الاستمرارِ في الدعايةِ والتدليسِ والفساد. وفي النهاية يتصدرُ هؤلاء المشهدَ، محاربين أيَ رأيٍ مخالفٍ أو أي موهبةٍ حقيقية، أهونُهم من يَبرزون أمامكم مقدمين "الصور التعبيرية"، وأخطرُهم من حاذوا ذكاءً هائلاً يخفيهم عن العيونِ الناقدة. والخطرُ كلُ الخطرِ عليكم انتم، إن ارتضيتم بالواقعِ لتقولون هذا هو النجاحُ، وهذه هي الحياة. الخطرُ هو أن تحتقروا الناسَ فتبتذلوا الاعلام.

نحن في مرحلةٍ مفصليةٍ في تاريخِ هذا الوطن: في اللحظةِ التي شحذَتها التقنية، وأضفت عليها سلاحاً ذا حدين.. كلاهما ماضٍ وقاطع. في الماضي كان العالمُ يتقدمُ بسرعة، وكان تقدمُه يصلُنا ببطء. الآن فإن العالمَ يطيرُ بسرعةِ الضوء، ووسائلُ تقدمُه تصلُنا بذاتِ السرعة، وفي هذه السرعة ترقدُ المنةُ واللعنة؛ فإما أن نستوعبَها ونتعاملَ معها بما يليقُ بها من ثقافةٍ وتفكيرٍ ومهنية، وإما أن نهوى في دركِ التاريخ لقرونٍ لا يعلمُ أحدٌ إلا الله مداهَا. لم يعد هناك وقتٌ لحرقِ المراحلِ التقليدية، ولم يعد هناك وقتٌ لهذه الأمةِ يمكنُها أن تركنَ فيه لاعلاميين بهذا الشكل، ولا لسياسيين بهذا الشكل ولا لفنانين بهذا الشكل. لم يعد وقتٌ لهذه الأمة أن تركنَ فيه لانعدامِ الثقافةِ وانعدامِ الفكرِ وانعدامِ المهنية. لم يعدّ لديها وقتٌ لأشخاصٍ لا يأبهون إلا بالنجاحِ والنجاحُ فحسب. النجاحُ كما نفهمُه في هذه الايام.

في يومٍ من الايام، أُتيحت ليَّ فرصةٌ نادرةٌ لمقابلةِ العالمِ الكبير د. إدوارد سعيد في كواليسِ آخرِ محاضراتِه قبل ان يفارقَ الحياة. قابلتُه كروائيٍ شاب يسألُ عالمَ اجتماعٍ مخضرم، سألته "ما رأيُك في الإعلامِ العربي؟" اجابَني بحسم "نحنُ لا يوجدُ لدينا إعلامٌ اساساً..". قد تتفقُ أو تختلفُ مع حكمِه، اهو متشائمٌ أم موضوعي، ولكن المؤكدَ أن مستقبلَ الاعلامِ المصري، بل والعربي، في ايديكم انتم يا خريجي الاعلام، فلا تدعوا عالماً كبيراً يفقدُ الأملَ فيكُم أو فينا.

اشكركم جزيلاً، ودعواتي وتمنياتي لكم بكل الخير والتوفيق... والنجاح!

محمد علاء الدين