Wednesday, April 25, 2007
Tuesday, April 24, 2007
مقالان
عندما تلقيت رسالة إيفو هذا الصباح، التي أخبرتني بنشر مقالها الجميل عن اليوم الثاني و العشرون في جريدة النهار اللبنانية، شعرت بفرحة مختلفة.
هو أول تعاطي علي الورق بيني و بين إيفو بعد ما يقارب السنتين من صداقة افتخر و اشرف بها. نحن صديقان و ها نحن فوق صفحات جريدة النهار اللبنانية العريقة—التي اشكر اهتمامها الدائم بكتاباتي—روائي يحاول الكتابة و كاتبة تجيد القراءة. هي فرحة مختلفة اشكر إيفو عليها جزيل الشكر.
و كنوع من الإجمال أخالف به قاعدة لم اخرقها إلا قليلًا في نشر ما يكتب عن الكتابات هنا أو هناك، انشر هنا ايضًا مقال الزميل محمد هشام عبيه في موقع بص و طل الاليكتروني عن الرواية. اشكر له اهتمامه و مقالته الرائقة.
اليوم الثاني والعشرون" لمحمد علاء الدين"
عــنــد ســــقـــوط الـمــدن ربـــمـا يــســـقـط العــــازف أيـضـــاً
ليست هذه بالمرّة الأولى يطرق فيها محمد علاء الدين باب الرواية. فقد سبق لهذا الكاتب المصري أن قدّم، في روايته الأولى "إنجيل آدم"، تجربةً جديدة في الكتابة، تتحرّر من الثوابت والقيود، لتعكس صورة المجتمع العصري بكل عبثيته واضطرابه. في هذا السياق، تأتي روايته الثانية، الصادرة عن "دار العين" في مئة صفحة، لتكمل ما بدأته الأولى من مخالفة للأسلوب النمطي والأفكار المتوارثة في الكتابة، إنما من دون الوقوع في فخّ القولبة والتكرار. فلا يتورّع الكاتب عن استفزازك منذ اللحظة الأولى للقراءة، أي قبل أن تشرع حتى في متابعة الأسطر الأولى. فالعنوان نفسه باعثٌ على التساؤل: ما السرّ الذي يحمله اليوم الثاني والعشرون؟ لكن الكاتب لا يدع القارىء يكتشفه بسهولة؛ بل يدنيه منه ثمّ يقصيه، في لعبة معذّبة تستمر حتى اللحظة الأخيرة من القراءة.
تتخذ الحوادث مسرحها في القاهرة، قبيل الإغارة على العراق. وهي تنفلت، في الظاهر، عن دهاليز النفس السوداء، لتحكي تفاصيل علاقة ملتبسة بين عازف لا يحبّ العزف، ورسّامة يسدل عليها النص ستاراً من غموض. لكن الحال لا تستمرّ على ما تبدو عليه من بساطة، بل سرعان ما يعود الكاتب إلى لعبته الأولى، فينقل قارئه إلى دوّامة من الحوادث المتداخلة، وعالم من الأمكنة المتشابكة، يختلط فيه الأمس بأمسٍ أبعد منه زمناً، ويمتزج الحاضر المفترض بلحظات آنيّة أخرى لا تدرك أين منها الحقيقة من المتوهَّم. فعماد الرواية إنسانٌ يمارس فعل التّذكر، أو استعادة حوادث علاقةٍ وضعت أوزارها. تالياً، لا يخفى على أحد، في هذا الإطار، أن كل عمليّة استعادة يستحيل أن تجيء كاملةً، مهما يحاول صاحبها أن ينحو بها نحو المثالية، أو ينقلها إلينا بحذافيرها. من هنا، كان لا بدّ للشخصية الرئيسية، في خضمّ ذلك، أن تنتقي من الحوادث ما توليه أهميةً، وما يشقّ طريقه إلى ذهنها بوتيرة أسرع من غيره، فتعيد علينا صوغه بشكل صور مرتّبة وفق نمطية خاصة ومختلفة، ترتبط بمقدار تأثير الحدث على نفسية بطل الرواية.
من هذا المنطلق، لا عجب أن تنقلب مقاييس السرد رأساً على عقب، فيتابع القارىء نهاية الحدث قبل بدايته، أو يقرأ منتصفه قبل أن يعرّج على الثلث الأخير منه ليعود بعد ذلك إلى نقطة البداية. ولا عجب أيضاً أن يقفز علاء الدين بالقارىء، كما كرة اليويو، من حادث لمّا ينته بعد إلى آخر كان بدأ في زمن غير معروف. أما اختيار هذه المقاربة كأسلوب فنيّ يمتدّ على صفحات "اليوم الثاني والعشرون"، فمردّه على الأرجح الى ولع بإعادة ترتيب الزمن، تجيز مدلولاته التركيز على صور دون غيرها؛ فيبرع الكاتب في بتر حوادثها، ثمّ العودة إليها متى وجد إلى ذلك سبيلاً، ببراعة وسلاسة في الأداء. يأتي هذا الفيض المبهم والمتخبّط في الذاكرة ليعكس اضطرابات إنسان يعيش، بدوره، حياةً متخبّطة، ويفعل فيه محيطه فعلاته، الواحدة تلو الأخرى، من دون أن يكون هو قادراً على أيّ فعل. إنه العازف العقيم الذي لم يأتِ في حياته على معزوفة واحدة من بنات أفكاره. رأى في موت والدته نبذاً له، وفي بيانو والده آلةً تسيّر مجرى حياته، وإن سرى فيها بعضٌ من شرّ: "أصابع البيانو يمكنها منحك وصفاً مخاتلاً للحياة. أصابع بيضاء وأخرى سوداء. تلك الأخيرة غليظة كوجه الشرّ، وهذه الأولى خفيفة رشيقة كابتسامة الخير". فالبيانو هو العمل، وهو المعاناة، ورائحة الطفولة المسروقة، وهو المنذور أبداً للنسيان، و"يريد تعلّم البيانو وأنا أريد أن أنساه"، وهو الإرغام والتسيير في شخصية الأب والمدرّسة مدام هاغوبيان، بلهجتها العربية المكسّرة، وهو رائحة الماضي العالق بالأطر القديمة، وهو سارق العاطفة الأبويّة. باختصار، البيانو هو بوهيمية الأب وخضوع الابن. البيانو هو الأب. فكيف لا يعلّق الكاتب حينذاك على هذه الأداة في معرض حديث لامبالٍ فيقول: "صدّقيني، أنا لا أحبّه إلى هذه الدرجة".
في ظلّ هذه الأجواء، يأتي لجوء البطل إلى مها ليشكّل خياراً يبدو، للوهلة الأولى، أنه انتقاه من تلقاء نفسه، بعيداً من ضغوط المجتمع وتسيير من حوله. فمها تكبره بإحدى عشرة سنة، ومع أنّ المرء قد يستشفّ في ذلك تعويضاً عن حنان الأمّ، لكن حسبه أنها المرأة التي دفعته إلى التأليف. على مستوى الأسلوب، تأتي الحوارات بينهما نادرةً، تكاد لا تتعدّى السّؤال وجوابه: - أتكتب الشعر؟ - أتسلّى"، في ظلّ جملٍ قصيرة ومكثّفة تنتشر على امتداد الرواية بأكملها، ولغة سلسة تنقل المرسلة من دون تعقيد. هذا من جهة، أمّا من جهة أخرى، فلعلّ في إحجام الكاتب عن تسمية بطله رمزيّةً تشير إلى كلّ منّا، على وجه الأرض، وتجعله يجد المعادل الموضوعي له في شخصية قطّ، لم يمثّل إحدى الشخصيات الأساسية في الرواية فحسب، بل يحتلّ الغلاف منها أيضاً. لكن حتى مها نفسها تنبذه في النهاية، فيبدأ كلّ ما حوله بالسقوط والتداعي. يسقط هو. يسقط الجنين. تسقط العلاقة. وعندما تسقط بغداد نفسها في نهاية المطاف، يحزم أمتعته ويمشي. في اليوم الثاني والعشرين.
اليوم الثاني والعشرون.. هزيمة الروح من هزيمة الوطن!
يلجأ كثير من كتاب السيناريو إلى استخدام أسلوب "الفلاش باك"، وهو الذي يستطيعون من خلاله العودة إلى الماضي لترى مشهداً ما من وجهة نظر الراوي – البطل غالبا الصورة—ثم تعود ثانية إلى الحاضر.. وفي السينما لا يحدث هذا دون إشارة.. ربما تهتز أو تتموج أو تراها باللون الأبيض والأسود - رغم أن الفيلم ملون بالأساس.
هو نفس التكنيك الذي يستخدمه عدد من الكتاب أثناء كتابتهم لبعض رواياتهم.. وأيضا لايفعلون ذلك- عادة- دون إشارة.. وإنما ترى أنت فواصل بين الفقرة والأخرى أو حتى تلمح تاريخا مختلفا عن ذلك الذي تدور فيه أحداث الرواية..
هنا يلجأ الروائي الشاب "محمد علاء الدين" في روايته الجديدة "اليوم الثاني والعشرون" إلى تكنيك "الفلاش باك" بحرفية شديدة.. والغريب والجميل- في ذات الوقت- أنه يفعل ذلك دون أي إشارة.. فقط مساحة بيضاء صغيرة - ربما تكون غير ملحوظة- تنقلك من زمان لآخر ومن أشخاص لآخري
صحيح أن هذا التكنيك ربما يكون مربكاً للقارئ في أول الأمر.. إلا أنه بعد أن تنتهي من قراءة الصفحات الأولى من الرواية ستكون قد اعتدت على هذا الأسلوب بل ربما تكون أحببته أيضا لأنه يمزج في نعومة ودون قطع مفاجئ بين تفاصيل الراوية وأحداثها.. الأمر أشبه بلعبة يلعبها الأطفال الصغار.. إذا ينطق أحدهم بكلمة ما وعلى الذي يليه أن يتوصل في سرعة إلى كلمة أخرى أول حرف فيها هو آخر حرف في الكلمة الأولى.. وهكذا
في "اليوم الثاني والعشرون" ستتعرف على خريطة لشوارع وسط البلد بالقاهرة وهي منطقة محببة لهواة الكتابة والفن بشكل عام إذ بمبانيها المصنوعة بأيدي فنانين حقيقيين، ومحلاتها المتنوعة من أول الملابس ونهاية بالآيس كريم، إضافة إلى مقاهيها ذات المذاق الخاص.
كل هذا يشكل عالما خاصا وفريدا نجح "محمد علاء الدين" أن يعبر عنه بشكل جذاب جدا ومتسق تماما مع أحداث الرواية التي تتشكل فيها أول خطوط قصة حب بين عازف بيانو - أجبره والده على امتهان تلك المهنة التي لايحبها- و امرأة مطلقة تهوى الرسم.. وهي قصة الحب التي تتشابك تفاصيلها وتتباعد وتتقارب بمنطقية في بعض الأحيان وبكثير من الصدمة والتحولات المفاجئة في أحيان أخرى
وكما نجح "محمد علاء الدين" في صنع شخصية البطلين الرئيسيين، فهما نماذج موجودة بالفعل في مجتمع "وسط البلد الثقافي" فإنه صنع شخصيات أخرى بشكل لا يقل حرفية رغم أنها لم تكن حاضرة في كل تفاصيل الصورة إلا أن دورها المؤثر كان واضحا مثل شخصية الأب، ومدام "هاجوبيان" معلمة البيانو وحتى القطين "فريدي" و"فرعون" والأخير تحديدا تصدرت صورته غلاف الرواية.
جمل وعبارات "محمد علاء الدين" جاءت قصيرة ومركزة ومكثفة ببراعة ملحوظة، وهو ما جعلها قادرة على أن تنقل للقارئ المشاعر والوصف في إيجاز ودون ثرثرة أو مط - الرواية كلها صفحاتها أقل من مائة- النهاية ذاتها أكبر دليل على ذلك...
"قالت لي بصوت خفيض..كيف لي أن أتزوجها، لقد فُصلت من عملي ،هي أكبر مني ، ماذا سيقول الناس؟!" لكن هل هذه هي الأسباب الحقيقية فقط؟..
" لقد تعبت، تعبت، أنت لاتثق في وأنا أنانية، نعم أريدك وقتما أشاء وأهجرك وقتما أشاء، أنت لن ترضى بذلك وذلك لن يرضيني" ثم.. "كان يجب أن يتخذ أحدنا قرارا، أنا لا أستطيع أن أجرحك أكثر لأنك أجمل شيء في حياتي"
وفي اليوم التالي والذي يوافق اليوم الثاني والعشرين لدخول القوات الأمريكية للعراق.. تسقط بغداد- وهي نقطة مجهدة قليلا للقارئ الذي يجب عليه أن يكون منتبها لأن الفارق بين دخول القوات الأمريكية للعراق وبين تمام سقوط بغداد" 21مارس- 9 أبريل 2003" هو 22 يوما خاصة أن صوت الحرب لم يكن واضحا بشكل لافت طوال أحداث الرواية.
"اليوم الثاني والعشرون".. رواية مكتوبة بمداد "مجتمع وسط البلد" بكل ما فيه من تناقضات وعجائب وخير ومفاسد، وقصة حب ملتهبة ومبتورة دونما سبب للبداية أو الانتهاء.. قد تتعاطف مع بعض أبطالها وقد يثيرون فيك الغضب لأنهم مستسلمون راضون بالأمر الواقع دونما محاولة حقيقية للتغيير –مثل اغلبنا في الحياة— و لعل هذا ما دفع المؤلف لأن يقرن هزيمة البطل بسقوط بغداد.. فهو هاهنا يؤكد أن هزيمة الأوطان تكسر الروح و بالعكس!
Sunday, April 22, 2007
نون
قرأت هذه القطعة في كتابه الساحر "النوتة الحمراء". تمنيت كثيرًا أن انقلها هنا، و بمحض الصدفة وجدتها مذ دقائق قليلة، و مترجمة أيضًا، في موقع كيكا. ترجمها الأستاذ اسكندر حبش، و نشرت ابتداءً في جريدة السفير اللبنانية.
.....................
.....................
كنت في الثامنة من عمري. في تلك الفترة من حياتي، ما من شيء كان يبدو لي أهم من لعبة البيسبول. كان «النيويورك جاينتس» (عمالقة نيويورك) فريقي المفضل، وتابعت بإيمان مطلق، مفاخر هؤلاء الرجال الذين كانوا يرتدون الثياب السوداء والبرتقالية. اليوم، حين أفكر مجدداً بهذا الفريق، الذي لم يعد له أي وجود، وبالمباريات التي كان يلعبها في ملعبه الذي لم يعد موجودا بدوره، أستطيع، تقريبا، أن أعيد تشكيل الفريق بكل لاعبيه الذين كانوا يستعدون لخوض المباراة. ألفين دارك، ويتي لقمن، دون موللر، جوني أنطونيللي، مونتي إيرفن، هولت فيلهايم. لكن ما من أحد كان يبدو لي أكبر وأكمل، وأجدر بالعشق من ويلي مايز، المتأجج «ساي هاي كيد».
في ربيع تلك السنة، اصطحبت لمشاهدة مباراتي الأولى من مباريات دوري الرابطة. كان بعض أصدقاء والدي يملكون مقصورة في «البولو غراوندز»، وذات مساء من شهر أيار ذهبوا، جماعة، لمشاهدة العمالقة وهم يلعبون ضد «ميلووكي بريفز» (شجعان ميلووكي). لم أعد أذكر من فاز في تلك المباراة، لم أعد أذكر حتى ولو تفصيلا واحدا من تفاصيل هذه المباراة، لكن ما أذكره أنه بعد انتهاء المباراة، بقي أهلي وأصدقاؤهم جالسين وهم يتناقشون بانتظار أن يغادر جميع المشاهدين الآخرين الإستاد. تأخروا كي يستطيعوا الخروج من باب الحقل الخارجي، إذ كان الوحيد الذي لا يزال مفتوحا، لذلك توجب علينا أن نجتاز مدرجات الإستاد بأسرها. كان ذلك الباب موجودا فوق غرفة ملابس اللاعبين بالضبط.
كنا قد وصلنا إلى الجدار تقريبا حين لمحت ويلي مايز. لا مجال للشك أبدا، كان هو. كان ويلي مايز، الذي بدل ملابسه وارتدى ثيابا مدنية، على مقربة خطوات مني. أجبرت قدمي على السير باتجاهه، وبعد أن شحذت همتي وشجاعتي أجبرت فمي على التفوه ببعض الكلمات: سيد مايز، قلت، هل أستطيع الحصول على توقيعك (أوتوغراف)، إذا سمحت؟
لم يكن يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره على أكثر تقدير، ومع ذلك لم يكن بوسعي أن ألفظ اسمه.
كانت ردة فعله على سؤالي فجائية، لكنها محبة. بالطبع يا بني، قال. هل لديك قلم؟ كان مليئاً بالحياة، أذكر ذلك جيدا، كان يطفح بحيوية الشباب، ولم يكن يتوقف عن النطنطة وهو يكلمني.
لم يكن لدي أي قلم، لذلك سألت والدي إن كان بإمكاني أن أستعير قلمه. بدوره، لم يكن لديه واحدا. أمي أيضا. ولا حتى أي واحد من هؤلاء الراشدين الذين كانوا معنا.
كان ويلي مايز الكبير ينظر إلينا صامتا. وحين تبدى بوضوح بأن لا أحد من مجموعتنا كان يملك شيئا للكتابة، التفت نحوي وهو يرفع كتفيه. آسف يا بني، قال. ما من قلم، إذا ما من توقيع، وخرج من الإستاد وابتعد في الليل.
لم أكن أريد البكاء، إلا أن الدموع أبت إلا أن تغرق لي وجنتي ولم يكن بإمكاني القيام بأي شيء لوقفها. الأنكى من ذلك أني بكيت طول الطريق وأنا في السيارة حتى وصولنا إلى المنزل. بلى، لقد سحقتني خيبة الأمل، وكنت أشعر أيضا بالحنق على نفسي بسبب عدم قدرتي على لجم هذه الدموع. لم أعد طفلا. كنت أصبحت في الثامنة وعلى طفل في عمري أن لا يبكي بسبب أمر مماثل. ليس فقط لم أحصل على توقيع ويلي مايز، بل لم أحصل على أي شيء آخر. لقد امتحنتني الحياة ووجدت نفسي أبله بنظر الجميع.
منذ ذلك المساء، وأنا أحمل قلما بشكل دائم، أينما ذهبت. اعتدت على عدم الخروج من المنزل من دون التأكد بأن هناك قلما في جيبي. لا لأنني كنت أعرف ماذا سأفعل بهذا القلم، بل لأنني لم أكن أرغب بأن أؤخذ على حين غرة. حدث ذلك مرة واحدة ولم أكن على استعداد أن تحصل مرة ثانية.
إن كانت السنون قد علمتني شيئا، فهذا هو: من اللحظة التي نجد فيها قلما في جيبنا، فثمة حظوظ قوية بأن نحاول استعماله.
وهذا ما أقوله لأولادي، بشكل طوعي، بهذه الطريقة أصبحت كاتبا.
بول أوستر
الخارجين مني.. و الهاربين فيّ..
التراب وحده
يعرف معنى الخروج في المطر
فكرة البحث عن أحبة
التعلق بأطراف معاطفهم
احتمال القسوة
قسوة مسح أحذيتهم البطيئة
أنفاسهم الرمادية
وخربشة أظافرك وهي تنكسر.
المرأة العجوز في نهاية الكوبري الممتعض
تنفض أخر ذكرى للحنين
تراقب العابرين
متخيلة نظام حياة ومكان
وشخص معين
يمكنها الوثوق بهم
المرأة البعيدة عن كل المحن
في عبورها الخافت
تشب النسور
الحزن وحده ير بت على أكتافها.
الحزن نفسه
هو من خرب عقولهم الصغيرة الهادئة
كانت عيونهم تنفتح
مثل كشافات الضوء الموجه لروحك
كان بود الواحد منهم
ان يكسر عنق زجاجة
ويترك الكلام كله
ينساب من بين الضلوع.
الأطفال الأصغار
من كانوا يحومون حولك
كالدجاجات الصغيرة
حاملين لك خبر سعيد كل يوم
انه الآن لديك
شخصا تستيقظ لأجله.
أنفض عن أغصاني
طعم التراب
أراقب نفس العابرين
الخارجين مني
والهاربين في.
رنا التونسي
يمكنكم التواصل مع رنا عبر موقعها الاليكتروني. اضغط هنا.
Wednesday, April 18, 2007
..بيسو
لست اعرف إن كان من المصرح لي بذكر اسمه الحقيقي، الذي يبدو كسر معلن للجميع، و لكن—علي أية حال—من المفضل أن اكتفي بذكر اسمه "الحركي" الذي عرفه الجميع به؛ إبليس، أو كما اسميه أنا تحببًا؛ بيسو.
و إن كنت لا اعرف إن كان من المصرح لي بذكر اسمه أم لا، فأنا اعرف جيدًا أن عدم ذكر رواية بديعة كالتي كتبها هو محض ذنب و تعامي.
لا أبالغ حقيقة، فالفتي عندما أعطاني روايته—أنا شخصيًا اسميها رواية—و عندما سمح لي بنشر أي مقطع أحبه، قد منحني متعة لا تعوض. متعة لا تزورني كثيرًا و لا تبادلني المودة إلا نادرًا لحظي التعيس. عبرت كثيرًا عن إعجابي بكتابة بيسو رغم كل اختلافي مع أفكاره— التي أؤمن أنها شيء طبيعي في مرحلة عمرية ما— و يمكنكم رؤية ذلك هنا مذ ما يقارب العام. أعجبني و يعجبني في كتابة بيسو أسلوبها الرائق في فلسفة العبث و اللعب بالكلمات و التعبيرات. الكتابة لعبة و بيسو—و برأي شخصي متواضع—لاعب كبير في تلك اللعبة الكبيرة. أبديت إعجابي في حدود كتابة البلوج—بكل ما يعتريها من تعاطي من المرسل و المستقبل كليهما، و لكن روايته ، روجرز، هي تعبير عن موهبة أصيلة و خطوة حقيقية جدًا نحو نص مفارق و مغاير و مختلف. كتابة رائقة لا يشوبها سوى بعض أخطاء اللغة التي نبهني انه سينقحها، و هذا لا يضيره أبدًا و لا ينتقص منه شيء.
تقابلنا بالأمس، و قلت له انه من الصعب جدًا أن تكون أنت. أن تكون بيسو و لا احد غيرك. قلت له لا تهون من ذلك فأنت لست شبيهًا بأحد و لا أحد يشبهك. هذا شيء صعب جدًا يدفع فيه محبي الكتابة حياتهم و غالبًا لا يبلغونه. هو شيء صعب جدًا حتى و لو بدا لك مجرد لهو علي الكيبورد. أن تكون أنت و لا أحد غيرك.
لا أجد غضاضة في الاعتراف إنني افخر بكون بيسو من قرائي مذ حداثته، في ذلك العهد القديم الذي كنت فيه اكتب "مجانين". مرت سبع سنوات علي إصدار العدد الأول منها مع رفيقاي احمد العايدي و محمد فتحي، و أجد نفسي الآن فخورًا جدًا بأن هذا الفتي الموهوب من قرائي. لا أجد غضاضة أيضًا في القول انه ربما لا تعجبه تماما إصداراتي الجديدة، فقط—و بنرجسية كبيرة بغيضة—ابتسم و أقول لنفسي "في الغد سينضج و سيفهم".
و بعيدًا عن نرجسيتي المفرطة و انتقاداته الهامسة أحيانًا، فبيسو—و مرة أخرى—هو كاتب كبير و مهم أشرف بإفراد مساحة متواضعة هنا لمقتطفين—غير متعاقبين— من روايته الجميلة و المختلفة "روجرز"، متمنيًا أن يراجع نفسه في تفكيره المبدئي بعدم نشرها. قلتها له أمس و أقولها له الآن: بحق الأيام الخوالي التي كنت فيها تقرأ محمد علاء الدين بمتعة، أرجو أن تعيد التفكير.
..........
"((أنتَ مُسَافر؟!!)) انحنيت على كفه ذو العروق الزرقَاء الْمُجهدة وقبلته ((أيوه يا جدو))، كان الوقت عصر والشمس تَدخلُ من النَافذةِ بضوء حَنون ومعها ريح لطيفه؛ في جلبابه الأبيض نَائماً على السريرِ، رفع يده اليُمني وهرش في رأسِه، كانت حَالته مُتَحسنة بعض الشيء ومزَاجه في مثل ذلك الوقت يبدو رَائقاً.
في مثل هذا التوقيت مُنذ أكثر من عشر سنوات، حكي لي عن الفتوة الحكيم الذي سَاد حَارته بالعدلِ والحكمةِ، وزهدته الدنيا في أخر أيامه فلما شعر بالوهنِ وضعف سَاعده اعتزل الحَارةَ والدنيا وتفرع للتقرب لله، حتى فُتحت له أبواب السّمَاء في ليلةِ القدر فتمنى على ملاك السر الذي تجلي له، أن يطلب من الله تحويله لتنين لا تنضب قوته أبداً، فصار أسطورة يفرد أجنحته ويُحلق يطلقُ النَارَ من فمه ويُحَاربُ من يراهم أشرَار، يرتفعُ للأعلى قَادراً على الدوران حول الأرض في ثلاث ساعات، بذيله يبيد مدن، وبنار فمه يبخر أنهَار ويدفعها لتسقطْ المطر حيثما شاء، أضل الكثيرين بعظمةِ قوته فعبده البعض وتركوا السجود والتذلل لله. أما هو فالكبر ازداد في قلبه يوماً بعض يوم وهو يُرَاقب رعيته ومؤمنيه يزدادون في العدد ويتقربون له بالطَاعةِ والقرابين ما بين هدايا عينية وحتى أجسَاد بشرية، حتى أنه وقف فوق جبل صخري ذات يوم يطل على صحرَاء حمراء وهتف بصوت سمعه كل من في الأرض ((لمن الملك يوم؟!!)). عند هذه النقطة كان عم أحمد صديق جدي يبتسم ويعدل من وضع طَاقيته الصوف البلدي على رأسه فيشير جدي بأصبعه إليه مُوجهاً كلامه إلي ((ثم شاء الله أن يعد عمك أحمد لأمر عظيم..)) ويضحك الاثنين في صوت واحد.
بعين الخيال كنت أري ملاك الرب وقد حمل الْبُشري لعم أحمد الذي ارتفع بأمر الواحد الأحد ليصير حُوتاً يتجاوز طوله الميلين ويسبح في السمَاء برشَاقة بَالغة ليقيم أمراً عند الله كان مكتوبا، رأيت المعركةَ التي جرت في الصحراء البعيدة، وهدمت فيها جبَال وزُلزلت فيها أرَاضي واستمرت ثلاث سنوات في كر وفر ليتحرك ذيل الحوت في غفلة من التنين، ويضربه عم أحمد ضربة بمشيئة الله تكون قَاسمة، فيندفع بعيداً بقوة اللطمة حتى يرتطم بعين الشمس، فترجو وتتذلل الشمس للمولي عز وجل أن تحرق عدو الله فيأذن لها، فتحرقه ببركته، فيغار البحر ويُسَابق الشمس في حب الله فيرجو المولي أن يمن عليه بأن يقتل عدو الله، فبأمر الله تفلت الشمس التنين الفتوة فيسقط في البحر حتى يلفظ أنفَاسه فيكتم ماء البحر حياته، فتبكي الأرض لعرش الرحمن ((يا رب سبقني البحر والشمس لطلب طاعتك فامنحني فضل دفن وأكل جثة عدوك وعدو نبيك)) فبأمره سبحانه وتعالى عما يصفون يلفظ البحر التنين وقد انكمش جلده وتضَاءل حجمه فيسقط على الأرض التي تبتلعه بفمها وتدفنه في جوفها، حتى يبعث الله جدي وقوم صَالحون معه، فيبنون فوق البقعة التي ابتلعت فيه الأرض التنين، ويقولون بأمر الله يصير هذا مقَاماً ويكون هذا شارع التنين الذي أكلته الشمس.
يصمت جدي، ويرفعُ القلةَ ليشرب منها، فاسأل وأنا مسحور جَالساً بينه وبين عم أحمد ((وبعدين؟!)) ينزل القلة ويمسح المَاء من علي شفتيه ((ربنا رزق عمك أحمد هذه الأرض و أعاده لصورته، فقد خلقنا في أحسن تكوين)) انظر لعم أحمد فألمح مُسدسه البَارز من صدر جلبابه، الشمس تقترب من الغرب، جَالسين نحن الثلاثة كل شيء الآن يقترب من اللون البرتقالي وعيني تصير أضعف، الذكري تضيع وتتشوش، فأجد نفسي في ذات الوقت جَالساً بجوار جدي على السرير، انحني عليه واقبل رأسه، فينده عليا ويطلب مني أن أدلك رجله."
...............
..............
" في وقت الهدنة وظهور وجه السمَاء الأزرق، كنا نُخرج درَاجَاتنا، نَلتقي عند عطفه كريم الكرمَاء، ثم نبدأ في التجوالِ على طولِ الشَارعِ من البحر حتى نهَاية السور العَالي ومن السور العَالي إلى الشوارع الفرعية والشقوق والجحور، نُحرك البدَال بسهولةِ فوق الأسفلت وبصعوبةِ فوق الرمل وتَهتز أجسَادنا حينما تَسير الدرَاجة فوق الحجَارة، و لأن كرسي دراجاتي من الفيبر الصلب لا الإسفنج فقد كانت الاهتزَازات تؤلم مؤخرتي وفتحة شَرجي.
فُتحة شرجي مرة ثَانية، بعيداً في الزمن.. ذات مرة حملت مرآة صغيرة ودخلت الحمَام عَازماً على فحص كل جزء من جسدي خصوصاً هذا المجري المظلم الْممتد من أسفل عضوي حتى مؤخرتي، كان يمكنني أن أري عضوي و أري مؤخرتي لكن لم يكن بالإمكان رؤية ما بينها وحين وضعت المرآة وجدت تعرج جلدي طويل كسلسةِ جبَال حمرَاء يبدو كأنه أثر خيَاطة قديمة وينتهي بفتحة شرجي. همست لنفسي ((إذن الأمر هكذا)) لقد ألبس عظَامي اللحم وغطي اللحم بشبكة الأعصَاب والحواس وأطلق فيها النمل، وضعي في رأسي حوت وفي قلبي حزن وغير معدتي برأس جمل وبني فوقه حجاباً حَاجز، ثم ألبسني معطف من الجلدِ وخيطه من الدَاخل بضربات عليمة مَاهرة في منتصف جبهتي وعلى أنفي وفي شفتي وتحت لسَاني وعلى طول منتصف صدري الممتد حتى قضيبي يمكنني الإحساس بضربات الإبرة والخيَاطة الدَاخلية، ولضيق المسَاحة بين الفخذين فقد خاط الرداء من الخارج، ثم جمع ما تبقي من القماش وأخر الخيط وبطن به الشرج من الدَاخل.
على العجلةِ في الطريق العثر وفي الاهتزازات التي تصنعها الحجَارة كان الألم يأتي كنقرة على فُتحةِ شرجي، وهَاجس أخر يتمثل في سؤال يهمس في أذني ماذا لو انفكت الخيَاطة الدَاخلية لأسقط من علي العجلةِ وينفر مني الْمعطف الجلدي وتتسَاقط الفئران أسفل منه ويخرج الحوتُ ليطير ويفَارقني الحزنُ ويمتطي الجملُ الحجَاب الحَاجز ويشرخ في الطريقِ...ماذا أفعل وقتها؟".
Wednesday, April 11, 2007
Tuesday, April 10, 2007
..تنين أخضر نونو بشنب موف
:)
و ذات الظروف القهرية هي سبب لتميز البلوج ده في حياتي لأنه عاصر حاجات مهمة فيها، اول رواية منشورة و اول سكربت يتباع و اول شخصية كوميكس.. و ح يكون في خلال ايام فصيرة شاهد علي حدث مهم تاني، بس تعالوا نتكلم وقتها.
ما لاقتش احسن من اللي نشرته في عيد ميلاد البلوج الأول علشان اكرره في ذات المساحة الصغيرة هنا، و قبل ما انسي، لازم اقول أن البلوج ده كان سبب في تعرفي علي مجموعة من اجمل الناس اللي اتعرفت عليها في حياتي القصيرة. يا رب يكرمتي بصداقتكم لغاية اخر الحياة.
www.alaaeldin.blogspot.com
عاش معايا البلوج ده تعارفي علي ناس مهمين جدًا في الحياة، ما تتخيلش قد ايه مهم للواحد انه يفتح الكومبيوتر يلاقي حد يقوله ان اللي بيكتبه مصدر إلهام ليه. مكافأة فورية للكاتب قبل التوزيع و الجوايز و حسابات الفلوس و الخسارة.لما حد في نص الكورة الارضية التانية ينزل من بيتهم يجيب كتاب انت كتبت عليه. مستني ايه اكتر من كده؟
عاش معاك البلوج ده لما ناس انت اتربيت— و لسه بتتربي—علي كلامهم يقروك، و فوق كده يضحكولك و يقولولك كلام مش علي مقاسك
تفتح الكومبيوتر زي العصفور المدهوش اللي واقف فوق الشجرة يحرك في رقبته مستني حاجة الناس مش فاهمينها. تلاقي كلام كويس و تلاقي كلام وحش، و اهو افيه انك تلاقي شتايم عمر ما علاقتك بالناس قبل كده جابتها، بس عادي.. اهي هي دي الحياة من غير ماكياج
بتنام و تقوم، و تعدي الايام و تفوت، تاكل و تشرب، تروح و تيجي و انت مش حاسس ان في كل لحظة بيكون البلوج ده حتة منك. يخلص اليوم أو يبتدي تروحله و تحكيله حكايات يمكن ما تهمش حد، و يمكن كمان ما تهمكش بعدين
البلوج ده شاف معايا الايام اللي مكنش فيه كومبيوتر علشان اكتبه عليه. ايوة. يمكن تسعين في المية من اللي اكتب في البلوج ده كان في نت كافيهات بتسهر لغاية الصبح. بكتب و انا قاعد في دوشة ناس انت بتكتب عنهم. بتتنفسهم في اللحظة اللي بتنقر فوق الكي بورد بحتت منهم. دلوقتي انا بكتب اللي بكتبه ده من البيت، بقرقش حاجة في بقي و بابتسم
الكاونتر اللي تحت بقاله تلات شهور و اسبوعين، من 23 ديسمبر اللي فات، و مكنتش متخيل ان العدد ده ممكن يكون موجود. سيبنا من العشرين ألف و خمسميه.. من العشر تلاف و خمسميه، من الخمس تلاف من غير خمسميه. انا بس عايز اشكر كل اللي عدي، و لو من بعيد، و قالي: انت يا واد يا بقف؟ بتعمل ايه؟
و فوق كل ده و ده، للناس اللي عارفين نفسهم كويس، و اللي مش ح اقول اساميهم علشان ما انساش اسم فيهم، و اللي بيعدوا و يبصوا، ييجوا و لو من بعيد لبعيد، يقروا و ما يكتبوش، يبتسموا و ما يقولوش: ربنا اعلم بالمعزة
......................................
و علشان حبة ريفرش: دوس هنا