عندما كانت وحيدة، مع قطه، انتابتها رعشة مفاجئة عندما عضها مداعبًا.
كانت الطريقة التي غرس بها أسنانه، في تؤدة غلفتها الوحشية، و الصوت الحلقي الأليف، و هزة رأسه إلى الوراء بميل إلى الأسفل، تماثل ما كان يفعله بها في ذلك الفراش غير البعيد.
غشيها ذعر بدأ عنيفًا بدافع المفاجأة. ابتعدت عن القط بلون المشمش في لحظة. نفضت يدها في عنف. وقفت، علي مسافة بدت لها مأمونة بلا مبرر، ترمق القط الذي حدجها بنظرة ثابتة.
ضحك في يوم بعيد، عندما حكت له. داعبها بأنه بالطبع معها و إن كان بعيدًا. بدت لها استعارة شاعرية في التو، بينما كان هو يقصد فعل المراقبة. و عندما كلمها عشيق صغير يحاول أن يتماهى مع حياتها كصديق مقنع، قال لها أن الشتاء فصل مقدس و أن الاستيقاظ في النهار الباكر هو حلم مشتهى، و أن روايته القادمة ستكون عن الجنس. وجدت نفسها تفكر في أن عشيقها الحالي يقول دومًا أن الشتاء هو فصل مقدس، و أن الاستيقاظ الباكر هو حلم مشتهى، و أنه قد خسر روايته القادمة لأن صديقًا صغير السن يفكر في الكتابة عن ذات الموضوع. وجدت نفسها، مرة أخرى، ترتعش.
كانت تعلم بصلة لا ترقى للصداقة و لا تشوبها مجرد المعرفة ما بين العشيقين، و لكن حينما سمعت بأن الصغير قد فقد وريقة تحت كرسي في مقهىٍ شعبيٍ، و أن عشيقها الحالي قد وجدها، و قرأ الاسم و أرقام التليفون و البريد الاليكتروني بخط غير منمق، وجدت نفسها تتساءل عن الحدود التي تفصل الصغير و الحالي و القط بلون المشمش. ضحك و هو يقص عليها حكاية عثوره علي القصاصة، و كيف أنه أعطاها للصغير في لقاء مصادفة بمقر دار النشر. أكان في ذات اليوم؟ في ذات الليلة؟! سألته فقال و هو على ابتسامته الهادئة أنه قد نسيها في جيب بنطاله، و هو ذات البنطال الذي كان يرتديه بعدها بيومين جالسًا في دار النشر مدخنًا الحشيش.
قال لها انه يحب الصغير. يبدو موهوبًا و لماحًا. يقول ذلك و هو يخلع عنه بنطالا آخر، أمام الفراش.
سألته كيف قضى الليلة بعدها، تمدد باسطًا عضلاته و قال أنه تعشى مع الصغير، أصابه بعض التعب من شرب الحشيش. أنت تعلمين الهبوط. قالها و هو يزم شفتيه و يهز رأسه في حركة مرحة. تعرف هي أنه، في أكثر الأحايين، لا يشعر بالحرج عندما يروي مثل هذه القصص. بالضبط مثل الصغير الذي لم يخجل أن يقول لها بابتسامة هادئة انه لم يكن فحلًا مع صديقته السابقة.
بدا لها الهاجس أكبر من أبعاد الحياة التي تعرفها، أو هو توجس كالذي يصيب الإنسان قبل عملية جراحية حساسة. كانت وحيدة في إحدى الليالي فجذبت ورقة و قلمًا و أخذت تعدد المتشابهات ما بين العشيقين. كتبت كثيرًا، فيما يبدو لها، و لكنها حين وصلت للمختلفات ارتبكت. فارق السن ست سنين. فارق السن ست سنين. فارق السن ست سنين. فكرت مرة أخرى. لابد من فارق آخر. بالطبع هما لا يقيمان في منزل واحد. احدهما قاهري قح، و الآخر من محافظة شمالية. حسنًا. كادت أن تراجع قائمة المتشابهات حينما هيئ لها أن الصغير أطول قليلًا. لا. هما ذات الطول. ذات لون الشعر. ذات لون العينين. الحالي انعم قليلًا. افتح قليلًا. مطت شفتيها غير مصدقة حينما عجزت، في عبث فوق العبث، عن تحديد اختلاف مهم بين ذكريهما.
"كم يبلغ طوله بالضبط؟"
ضحك الصغير حتى سعل. رفض أن يخبرها معابثًا. تحولت لهجته إلى بعضٍ من الجدية، بالطبع بعض فقط، و هو يسألها عن سبب ذلك السؤال العجيب. فكرت في إنها ستكون سخيفة أو مجنونة إن هي أخبرته، لأنه بالطبع سيراها سخيفة أو مجنونة. عرض عليها أن تجئ لترى بنفسها فسبته بغضب آنسة متحفظة. أغلقت الهاتف في وجهه.
عندما كلمت الحالي كان تليفونه النقال مغلقًا. ربما هو يضاجع إحداهن. بالطبع هو يضاجع إحداهن! مثلما يفعل دوما. يقول لها ماطًا شفتيه أن علاقتهما مفتوحة. هذا لا يعني التزامًا من أي نوع. هكذا هي قواعد الاشتباك. سلخته مرة عندما حلل سلوك الصغير مع صديقته الحالية بأنه آلية دفاعية. قال لها بثقة باردة أن طريقة العلاقات المفتوحة هذه هي تكأة ليمارس الفتى خياناته الصغيرة دونما تأنيب. ابتسم ابتسامته الهادئة، و التي اكتست لحظتها ببعض من الشيطانية، و هو يشعل سيجارته باستعراضية طفيفة معتادة. لم تقل شيئًا غير انه يفعل بالضبط ما يقوله الآن. تجمدت ابتسامته فوق وجهه لثانية، قبل أن يمطها فوق شفتيه و يجيب بهدوء اقرب للبرود "و لِمَ لا؟!".
أكان هذا هو ذات اليوم الذي تكلمت فيه عن رائحته؟ يجوز. هي على العموم قالت له، و هي تتشمم إبطه ثم تلعقه، انها تحب رائحته. قال لها كيف؟ قالت له هكذا. رجع فسألها انه يقصد ما الذي حببها في رائحته. ردت بأنها لا تعلم. شردت مفكرة و خرجت منها الكلمات ببطء. رائحتك مميزة.. قريبة.. نفاذة. و بما أن الصفة نفاذة هي الكلمة الوحيدة المفهومة له من وصفها سألها إن كانت جميع الروائح الجميلة هي نفاذة. همهمت للحظة ثم أجابت أن نعم.
أكانت تكذب؟ هي لا تعلم.
فكرت في أن الصغير لا يملك رائحة. يبدو ذلك غريبًا و لكنه حقيقي. ليس بلا رائحة بالضبط، و لكن رائحته خفيفة هامسة. لم تجد في دماغها ما تصف به تلك الرائحة أو تشرح به لنفسها لِمَ هي شحيحة نادرة هكذا. لم يحمل معه روائح القرية ببيوتها الصغيرة و حقولها و حيواناتها البائسة و قشطتها الصافية. لم يحمل معه كل ما يفرح قلب برجوازي يفكر في ولد أتى من قرية شمالية. انتصبت و مدت يدها لدولاب ملابسها. لن تبقى في البيت أكثر من ذلك.
عندما مشت بخفة فوق الإسفلت القاسي، واضعة يديها في جيبي المعطف القصير، متدثرة بوشاح احمر قان دافئ و شعر مجعد طويل، سألت نفسها لِمَ لم تسأل أيهما عن رائحتها؟! الصغير برائحته الشاحبة و الحالي برائحته المتوهجة. كانت تمشي بهمة في اتجاه وسط المدينة. ربما وجدت الحالي هناك. قفز إلى رأسها القط ذو لون المشمش. الرائحة الوحيدة التي تتذكرها له هي رائحة بودرة الأطفال التي يضعها له الحالي في المرات النادرة التي يهتم فيها بتحميمه. رائحة مخادعة. تكره هي هذا الرائحة التي تذكرها بالاصطناع. رائحة تشبه نظرته المزعجة عندما أجفلت منه. رائحة نفاذة؟.. نعم.
قفزت فوق السلالم الرخامية. دلفت للقاعة الكبيرة المثقلة بالعشرات من الطاولات. دحرجت عينيها ما بينها. لا أثر للصغير و لا أثر للحالي. رأت يدًا ترتفع إلى أعلى محيية.
شربت من كأس النبيذ الأحمر بنهم بدا لها مفاجئًا. انتبهت لنظرات الصديق المتعجبة بشيء من الفكاهة. مالك؟ هكذا سألها. مالي؟ أنا بخير. هكذا ردت. تأملت فتاة تنفخ برهافة في كوب الشيكولاتة الساخنة الذي تحمله بين يديها. من وراء الكوب كان يبرز مفرق نهديها و بجوارها رجل كهل يجرع من كأس للويسكي. سألها الصديق عن حال الحالي. قالت انه بخير، ثم سألته إن كان قد رآه اليوم. أجابها بلا.
استأذنت من الجمع، و بينهم الصديق، و أمسكت بزجاجة نبيذها و الكأس و انتقلت لمائدة منزوية و إن كانت ليست ببعيدة. شعرت برغبة معتادة في الانزواء و كأسي النبيذ جعلاها أجرأ قليلًا في طلب ما تريد. ينتقدها الصغير لذلك، بينما يثني الحالي على طيبتها و تفانيها. يمسح فوق خديها و ينظر في عينيها بنظرة حنان بديعة إلى درجة الزيف و يقول لها كم هي جميلة.
منذ متى كانت ليلتهما الأولى؟ قبل أربعة شهور. في المرة الأولى التي قابلته فيها. كان القط المشمشي يبلغ من العمر شهرين. ستة أشهر. عمر هذا الوغد ستة أشهر. صبت كأسها الرابع من الزجاجة البخيلة و فكرت في تناسخ الأرواح. أيمكن أن تكون ذات الروح في ثلاثة أجساد مختلفة؟! هي لا تعلم مجددًا. بدت لها فكرة بارقة. روح تشبه بات مان. هي الوطواط و هي بروس وين في ذات اللحظة. وطواطها الخاص سيكون روبن أيضًا. بروس وين، و بات مان، و روبن.
مر النادل بجوارها فطلبت زجاجة أخرى. أجاب بأنها كانت زجاجة النبيذ الأحمر الأخيرة. أي تهريج هذا. زجاجة أخيرة في بار؟! زفرت ثم رضت بالنبيذ الأبيض. دست في فمها القطرات الحمراء الأخيرة من الكأس الخامس وهي تقول لنفسها هم يستحقون إذن. للمرة الأولى في حياتها تطلب شيئًا لا يكون معها ثمنه. لا الزجاجة الأولى و لا الزجاجة الثانية و لا طبق اللحم أمامها. رمت بقطعة منه إلى القطة البيضاء السمينة التي تتجول عادة ما بين الموائد. هي قطة عجيبة لأنها قطة لا تموء في لهفة إن أعطيتها أو إن اشتمت شيئًا. هي أشبه بالملكة المستغنية. تأكل ما تلقيه لها في صمت وتمشي في صمت. القط المشمشي صاخب. صاخب بدرجة مزعجة. قبل عضته الأخيرة كانت تحب ذلك المجون المؤرق في اللعب، ولكنها الآن حسمت موقفها.
يسألها صديقها من الطاولة المجاورة عن الأحوال. لمحته ينظر إلى تكور فخذيها البارز من التنورة القصيرة. مالك أنت يا عزيزي و النساء؟! تتعجب هي و هي تجيبه بابتسامة عابثة أن كل الأحوال تمام. بالتأكيد هي تعرف إنها تكذب هذه المرة. لاحظ نظراتها المراقبة و ابتسامتها فابتسم قال لها فجأة "التجربة دائمًا شيء لطيف.. أليس كذلك؟!". ضحكت فجأة و أمنت علي كلماته. هو كذلك. هو كذلك.
ضحكت فجأة لأنها تذكرت فانتازيات الحالي عن السحاق، وسؤاله لها ما بين الحين و الآخر عن شعورها حينما فعلتها مع صديقة قديمة. تقول له انه لم يكن بالشيء الممتع. مجرد فضول انتابها و قُضي الأمر. يرد عليها "التجربة دائمًا شيء لطيف.. أليس كذلك؟!". تقول له معابثة لِمَ لا يجرب هو الشذوذ بنفسه إذن؟! يطردها هازلًا خارج المنزل و هو يضحك. هي تعلم انه يخاف الشواذ. رغم كل ليبراليته الظاهرة و تسامحه الوقتي هو كذلك. هي تشك في أن السابق كانت له ميول شاذة. يقول لها الحالي أن حرام عليكِ. تقول له انه كان يحب مضاجعتها من الخلف و انه كان يستمتع عندما تتولى هي الأمر كما انه كان يخاف من شكل فرجها. يتظاهر بالوقار و يقول انه يفعل الاثنين الأولين و لكنه، و بمنتهى الانفتاح، لا يخاف من شكل فرجها.
ربما هو يقول ذلك فحسب. هكذا فكرت في نصف كأسها الثاني. هو لديه ميول شاذة مثل الصغير. بالطبع. الخوف المرضي من الشذوذ يعكس رغبة دفينة في ممارسته. بالطبع. من أجل ذلك يدافع عن الصغير. خيط ما امتد ما بينه و بين الصغير يجعله يشعر بالتماهي معه. دائمًا هي تخترقه و تكشف أسراره و دائما هو يكره ذلك. يقول دومًا أنها علي خطأ بينما هي متأكدة من أنه يعلم إنها علي حق في قرارة نفسه. قالت له في مرة، بعد ست ساعات متصلة من المداعبات و المضاجعات تركتها منهكة كخرقة قديمة، انه "يعجب بأدائه" أو "يستثيره أداؤه". هي لا تتذكر بدقة. نفت دخان السيجارة و قال في هدوء مبدئي لِمَ إذن لا يكتفي برؤية نفسه في المرآة ليقذف بمتعة متناهية؟! لِمَ يتجشم عناء البقاء مع أنثى حمقاء مثلها؟! تحول صوته إلى الصراخ و هو يسألها ما خطبها؟! ما خطب النساء؟! لِمَ كل النساء يستكثرن الاعتراف بفحولة الرجل أو كرمه أو طيبته أو أو أو؟! ودت أن تجادله ولكنها صمتت قليلًا لكي تقول أنها تهزل، أو أنه قد فهمها بشكل خاطئ، أو أنها لم تفصد ذلك الكلام بالمنطوق الذي هو عليه. بعد قليل من الغضب زفر و دخل ليغمر جسده بالماء. نظرت هي إلى المرايا الكبيرة العريضة في مواجهة سريره. سألته لم لا يغير مكانها فغمغم بكلام غير مفهوم. هي تعرف انه يرمق جسديهما فوق الفراش، بينما هو بداخلها، لتزداد لطماته شدة و عنفوانًا. هي ليست حصيفة لأنها سألته في مرة لِمَ ينظر إلى المرآة فأحرجته قليلًا. هي ليست حصيفة لأنه عندما يحرج قليلًا ترتبك لطماته التي تحبها كثيرًا. ترتبك و تذوي فتبدأ هي بالإحساس بكل ما يحيطها مرة أخرى. تلك اللعنة التي تهرب منها إليه.
هي تحب جسده. لا تمانع في الاعتراف.
أفلتتها دوامة أفكارها التي اصطبغت بالأحمر و الأبيض فنظرت حولها. بدا المكان فارغًا قليلًا. مدت يدها إلى جيب سترتها المشنوقة فوق ظهر كرسيها و طلبت رقمه. رنين طويل. اختلط بالرنين صدى لفكرة قديمة طاردتها منذ عرفت الحالي. دائمًا هي من تتصل به. لا يكلف هو نفسه لكي يتصل بها إلا في أوقات نادرة.. أو ربما هي أوقات قليلة فقط.
جاءها صوته فانتشلها من الأصداء القديمة. "آسف لأن هاتفي قد فرغت منه الكهرباء".
أين أنت؟! أنا الآن في المنزل. توقف الصوت للحظة و عاد ضاحكًا:
- أنا في بيت صديقنا المشترك.
تمالكتها عصبية عاتية. سألته بحدة عما يفعله مع "الصديق المشترك". رد عليها بسخرية انه يود تجربة الجنس معه.
أغلقت الهاتف في وجهه. انتصبت قائمة و سحبت معطفها. نظر لها صديقها الذي لا يهوى النساء و لكنه يود التجربة في تساؤل. قالت له ما حسبته أنها ستعود فورًا. خرجت كعاصفة من الباب دون أن تنظر وراءها. تصاعد رنين الهاتف في جيبها. كان الحالي. أغلقت الهاتف مرة أخري في وجهه. كانت تعرف أن ذلك سيحدث في يوم من الأيام. سيتضاجعان و سيتركانها. ربما شاركهما القط ذو لون المشمش لاعقًا خصية هذا أو ذكر ذاك. تمنت لو أن احدهما ضاجعه ليموت متأثرًا بجراحه. ذلك القط اللعين و صاحبه الألعن. ستذهب إلى بيته ركضًا. لن تتركهما يتمان ذلك. سيقول الحالي للسابق أنها أخبرته بتهيبه فرجها. سيتضاحكان. سيخبره الصغير عندما ادخل ذكره في مؤخرتها دونما عازل. عندما جرت بعدها إلى الحمام. شعرت بخجل. شعرت بخجل و بغضب.
ضربها دوار بينما هي تسرع الخطى في شارع مظلم. استندت إلى حائط بجوارها. تعرف هي هذه الدوامة التي تلتف داخل بطنها. بالطبع ستجد القط. ستجد القط لأن الحالي هناك. ستجد الحالي هناك لأن الصغير هناك. ستجد الثلاثة لأنها تعرف جيدًا في ركن من نفسها أن الثلاثة هم واحد. واحد فقط يتلذذ بسحقها في كل مرة بشكل جديد. يتصاعد داخلها إلى فمها فلفظت أمعائها على الحائط أمامها. هو يعرف كل شيء عنها و يرويه لنفسه بتلذذ. هو لم يتركها حتى تعيش في نعيم الجهل. لماذا لم تدرك ذلك حتى عضها القط؟! كيف لم تدرك ذلك و نرسيسيوس الوسيم يتلذذ بمراقبة ذاته و هو يضاجعها؟! سيحقق ذروة التجلي عندما يضاجع ذاته. سيبدو له الكون فجأة مليئًا بالنور و الألق بينما هي في ثقب اسود مخزي. ثقب اسود مخزي و مهين كإستها.
شعرت بيد تمتد و بصوت يلمس. دفعت اليد بخشونة و لكمت بصوتها. مسحت عن وجهها خيوط سائلة دافئة و خرجت مهرولة من الشارع المظلم. أيقنت أنها لا يمكنها أن تصل إلى بيت الصغير مشيًا و لا عدوًا فصرخت في تاكسي قاده مصيره لناصية تكومت بجوارها. انطلق السائق و هي تستحثه كمجنونة. طفق يرمقها بقلق بين الفينة و الأخرى.
عندما وصلت قفزت من الأريكة القديمة المتهالكة دون أن تبالي بهتافه. عبرت المدخل عدوًا. صعدت السلم على قدميها. دور. دوران. ثلاث. الرابع إلى اليمين. تركت إصبعها يسحق الزر. صرخ الجرس صرخة واحدة مستمرة. فتح الباب و وراءه الصغير يهتف ما الخطب؟! نظر إليها بدهشة فتعدته. وجدت الحالي جالسًا بتوتر فوق أريكة بُسطت أمامها عدة المزاج. نظرت حولها بدقة. فتشت الشقة كلها كمحمومة. حتى الركن القصيّ من الدولاب، الذي يخفي فيه الحشيش بعيدًا عن عيني الأب الزائر أو الهابطين فوق مستقره بتطفل. لابد من وجود روحك القدس الساعية بالعقر في أيدي الأحباء. القط ذو لون المشمش و النظرات الحادة القاطعة كلمعان الألماس. لم تجده. بحثت و هم في الردهة ينظرون إليها كممسوسة و هي تهتف "أين هو؟! أين هو؟!!". جربا أن يسألا بدورهما "هو من؟!" و لكنهما يأسا عندما لم تجب هي. بدت طاقتها المحمومة أكبر من أن يعترضًا أو أن يصرخًا في وجهها.
أخيرًا رجعت لهما في الردهة. عيناها دامعتان و يداها مسترخيان بجوارها. ذبح الإحباط و اليأس لسانها. و لكن، و في لحظة سحرية فارقة، لمحت عبر النافذة خيال ظل. التمعت عيناها و هي ترمقه بينما ابتسامتها تتسع. خيال ظل لجسد غُطي بالشعر الكثيف الناعم، برأس دقيقة تشبه المثلث تنبثق منها الشوارب و ينبت من سطحها مثلثين مشرعين. تلتف الرأس في اتجاهها، بينما هي تعود بنظرها، بعينيها الظافرتين و ابتسامتها المنتصرة، إلى وجهين لذات الكائن قُسمت بين عيونه الأربعة كثير من الدهشة و قليل من الارتياب.
محمد علاء الدين
نوفمبر 2007