لم يمض غير أيام قليلة قبل أن ينتزعونه من مكانه. لم يهنئ بمقامه وسط الحي الشعبي البسيط، وسط الناس البسطاء، المتوحشين بإزاء أنفسهم فحسب، شامخًا مهيبًا منمقًا، كان يقف كعلم علي إنجازات ربع قرن من حكم الزعيم القائد، الذي ردهم إلي المرتبة الآدمية بعد امتهان طويل
كان صنمًا للزعيم القائد يقف ملكًا، علامة و رمزًا لمقام صاحبه الرفيع. ابتسامة هادئة استقرت فوق شفتيه، عزى الصنم جلالها لعراقة أحجاره و سمو خامتها. لم يظن الصنم للحظة—بينما المثال المجهول يشكله ثم يشذبه بتؤدة نورانية—أن كونه نسخة حجرية يعني تواضع مقامه، فهو تمثال الزعيم و نائبه و علمه، بل أن الصنم قد سرح برهة—بعيد عن مضايقة الشمس الحامية—أنه هو الوجه الباقي للزعيم. سيبقي الحجر و سيفنى الجلد بلا محالة. لن يشاهد الناس صور الزعيم في التلفاز أو الجرائد بعد حين، و لكنهم سيشاهدونه هو. الصنم. الباقي الخالد المنزه. هو منزه لأنه صنم. صنم لا يكترث بالكلام و مزالقه حتى لو استفزه العابرين بالشتائم بين فينة و أخري. صنم يشمخ بثبات مهما تغير الزمن و ملامح الشوارع و الحارات. واحد احد لم يلد و لم يولد و لم ينازعه في عرشه الراقد فوق ماء النافورات الصغيرة اللطيفة انس أو جان. صنم ينام شبيهه و يتعب و يسهو، أما هو فيبقي صنمًا منمقًا لا تأخذه سنة من النوم أو الوهن أبدًا.
كانت تلك الصفة الأخيرة الرائعة هي ما مكنته من رؤية زوار الليل الغرباء الذين انقضوا علي عرشه. أصابه الفزع و الشياطين العصاة ينتزعونه من محرابه. شفتيه الحجريتين حالتا دون صرخته الغاضبة؛ ألا تعرفون من أنا؟! صنم من أنا؟! الذراع الحديدية تشد حبالها بلا رحمة. شعر الصنم لأول مرة بالألم. الألم يسري من قدميه و ذراعيه. يحاول التشبث بالعرش. لا يستطيع. يكاد أن يبكي. لم تطاوعانه عينيه الحجريتين. بقيت شفتيه علي ابتسامتها.
و عندما ألقوه في المخزن البارد المظلم. عندما انحسر كل شيء؛ و صمتت الأصوات من حوله؛ عندما كان يسأل نفسه عما حدث، لمع برق في السماء فكان نجمًا في سماء المخزن. و أمام عيني الصنم المذعورتين؛ كان المخزن مليئًا بأصنام أخري. أصنام انعكس البرق فوق عيونها في غضب. أصنام سابقة استلت سيوفًا حجرية و وقفت بأجسادها المشوهة المكسورة أمامه. لم يستطع الصنم المنمق إغماض عينيه. لم يستطع حجره الصلد كبت دوامة الفزع الأخيرة. مات النجم مثلما سطع فجأة؛ تاركًا الظلام ليأكل الأشياء جميعها
كان صنمًا للزعيم القائد يقف ملكًا، علامة و رمزًا لمقام صاحبه الرفيع. ابتسامة هادئة استقرت فوق شفتيه، عزى الصنم جلالها لعراقة أحجاره و سمو خامتها. لم يظن الصنم للحظة—بينما المثال المجهول يشكله ثم يشذبه بتؤدة نورانية—أن كونه نسخة حجرية يعني تواضع مقامه، فهو تمثال الزعيم و نائبه و علمه، بل أن الصنم قد سرح برهة—بعيد عن مضايقة الشمس الحامية—أنه هو الوجه الباقي للزعيم. سيبقي الحجر و سيفنى الجلد بلا محالة. لن يشاهد الناس صور الزعيم في التلفاز أو الجرائد بعد حين، و لكنهم سيشاهدونه هو. الصنم. الباقي الخالد المنزه. هو منزه لأنه صنم. صنم لا يكترث بالكلام و مزالقه حتى لو استفزه العابرين بالشتائم بين فينة و أخري. صنم يشمخ بثبات مهما تغير الزمن و ملامح الشوارع و الحارات. واحد احد لم يلد و لم يولد و لم ينازعه في عرشه الراقد فوق ماء النافورات الصغيرة اللطيفة انس أو جان. صنم ينام شبيهه و يتعب و يسهو، أما هو فيبقي صنمًا منمقًا لا تأخذه سنة من النوم أو الوهن أبدًا.
كانت تلك الصفة الأخيرة الرائعة هي ما مكنته من رؤية زوار الليل الغرباء الذين انقضوا علي عرشه. أصابه الفزع و الشياطين العصاة ينتزعونه من محرابه. شفتيه الحجريتين حالتا دون صرخته الغاضبة؛ ألا تعرفون من أنا؟! صنم من أنا؟! الذراع الحديدية تشد حبالها بلا رحمة. شعر الصنم لأول مرة بالألم. الألم يسري من قدميه و ذراعيه. يحاول التشبث بالعرش. لا يستطيع. يكاد أن يبكي. لم تطاوعانه عينيه الحجريتين. بقيت شفتيه علي ابتسامتها.
و عندما ألقوه في المخزن البارد المظلم. عندما انحسر كل شيء؛ و صمتت الأصوات من حوله؛ عندما كان يسأل نفسه عما حدث، لمع برق في السماء فكان نجمًا في سماء المخزن. و أمام عيني الصنم المذعورتين؛ كان المخزن مليئًا بأصنام أخري. أصنام انعكس البرق فوق عيونها في غضب. أصنام سابقة استلت سيوفًا حجرية و وقفت بأجسادها المشوهة المكسورة أمامه. لم يستطع الصنم المنمق إغماض عينيه. لم يستطع حجره الصلد كبت دوامة الفزع الأخيرة. مات النجم مثلما سطع فجأة؛ تاركًا الظلام ليأكل الأشياء جميعها
3 comments:
لكلّ منّا صنمه الذي ينجح الآخرون بإسقاطه أحياناً. يسقط بدموعٍ متحجّرة. شكراً على التّدوينة، علاء
ولكن يبقي لكلا منا زعيمه
خالدا داخل كلا منا
حتي لو اسقطو التمثال الالاف المرات
ايف
شكرا ليكي انتي
:)
المواطن رجب
طبعا.. و لكن بشرط ألا يصير صنمًا
:)
Post a Comment