أحيانًا أمشي في الشوارع وشيء ما يقبض على دماغي.
أشعر كأنني أرى العالم خارجي عبر غمامة. حركتي أبطأ. أنتبه في لحظات وأنا أعبر الطريق لسيارة تمشي كما ينبغي لها بينما أنا أتهادى هكذا. تساورني الشكوك؛ هل شربت سيجارة ملفوفة قبل مغادرتي للبيت أم ماذا؟! يبدو السؤال مزعجًا جدًا، لا لأني نسيت، بل لأنني أتشكك في ذاكرتي، ووعيي، وأنا الذي لم يتم التاسعة والعشرين من عمره حتى.
امشي بهدوء، كالمسرنمين، إلى وسط المدينة، حيث سأشرب الشاي ذو الحليب علي او البيرة أو النبيذ، وربما سيرزقني الله بنفحة من الحشيش تبرر لي ما أنا فيه الآن. أسأل نفسي عن جدوى الحج الذي اتخذ له السبيل يوميًا، ثم أبادر بالسؤال عن مغزى الحياة نفسها.
عندما يناديني احدهم، بينما أنا جالس فوق مقعد القهوة، أتبين أنني لم انتبه إلا بعد النداء الثالث. أبالغ في حركة جسدي وأنا التفت له، كنوع من الاعتذار عن تجاهل لم اقصده، واسأله بحرارة أعجب لها أن ماذا. وبينما هو يتكلم أجد عقلي يسأل نفسه فيما كان غائبًا وتائهًا هكذا، بينما أحدهم ينادي، ولا أجد ردًا.
في أحيان، عندما تفارقني امرأة بعد وقت حميمي أجاهد لأتذكر ما كان بالضبط. تعلو لحظات في التاريخ القصير الذي كان لتبرز عن نفسها. أتذكرها، نعم، أفعل، ولكنني أتعجب حين أحس بأنني أتذكر حلمًا. حلمًا كان من ساعة أو ساعتين فحسب. أجد بعض الآثار المادية التي تقول أنها كانت هنا. منديل، مشبك، شعرة ضالة ناعمة في الحمام، كيس مهمل كانت قد أحضرت فيه شيئًا. وددت أن أكون رومانسيًا قليلًا وارفع ساعدي إلى انفي، أو أن القي بأنفي على كتفيّ لأشم رائحة تُركت فوق مسامي، ولكنني لا أفعلها، مثل هذه الأفعال لا تعني شيئًا سوى قولبة الحياة في رواية ما.
في أحيان أخرى، وحين أقابل إحداهن وتعجبني طريقة لبسها، أو كلامها، أو نظراتها، أو جسدها المزروع في الكرسيّ أمامي، اسأل نفسي بدهشة حقيقية، وإن كان يخالطها بعض من ابتهاج ذكوري أبله، عما إن كنت قد دخلتها فعلًا، وقبلتها فعلًا، وإن كانت فعلت بجسدي ما فعلت فعلًا. يحدث هذا حتى في الأيام التي لا يكتنف فيها عقلي الضباب بهذا الوضوح. ربما تبقيني مثل هذه الدهشة الحقيقية حيًا، بشكل أو بآخر.
وربما كان ذلك فلول باقية من الطفولة، اندهاشها وغبائها وسطحيتها. قد يكون كذلك مختلطًا ببعض طفيف من الجنون المسالم، في تلك الأحيان التي امشي فيها مخدرًا بلا مخدر. في يوم كنت ماش في الجزيرة الإسمنتية التي تتوسط الكورنيش. النيل على يميني وفم النظام على يساري. هبت ريح، ريح زفرت في عنفوان فتعجبت وكدت اضحك، عندما أحسست بظهري يندفع رغمًا عني، حاملًا بطني وقلبي ورئتيّ دافعًا إياهم إلى الأمام. زاد تعجبي عندما تكرر الدفع في إصرار لم يلن. جاء في ذهني أن تلك الزفرات نادرة في مدينتي الشاسعة، وعندما تأتي لا تتكرر هكذا. بجواري العربات تمرق في إصرار هي الأخرى. لا أتذكر إن كنت أدخن ساعتها، ولكنني وددت أن أتخيل ما الذي سيكون عليه الدخان، أمام خصم لا يداعبه كالعادة، لا يفرق شمله بلطف متأني، بل بسورة مفاجئة، بتجبر عنيف. ريح بلا أوصال تهتك دخان بلا جسد. أشعل الآن لنفسي سيجارة، بينما أنا اكتب، وأطلق دخانها حرًا بعنف، وابتسم. بالطبع نحن جميعًا، ببساطة شديدة، لا نلوي على شيء.
2 comments:
سلامو عليكو
في مرحلة ما من التاريخ الشخصي لكل من ذاق الحشيش .. يفد هذا الشعور .. يقابله صاحبه بالدهشة في البداية ثم يستهين به فيما بعد .. لا أدري هل الحشيش (العامل المشترك لدي كل من داخله هذا الشعور الغريب) له صلة أم أنها الصدفة البحتة
و لكنه حقيقي .. كأن الماضي حقيقي .. و المستقبل حقيقي .. ولكن الحاضر .. بالوعة تسحب الوعي بكل منهما و لا ترده
تدوينة علاء الدينية ممتازة
:)
أحيانا يعبث المخدر الوهمي بعقولنا ...فلا نذكر ما نفعل ولا نعي ما نقول ولا نسمع ما يقال لمجرد رغبتنا في التركيز فيما نفكر
شعور غريب لكن ممتع
وهكذا نبقى متفردين في تلك الحياة
مدونة جميلة
تحياتي
Post a Comment