designed by: M. Aladdin & H. Fathy

Monday, October 02, 2006

..نسيان

فوق اعلي قمة تل في الغابات الصغيرة التي تحصر المدينة صحا. وراء ضفة النهر الصغير، و فروع الأشجار الرهيفة التي تحمل البلابل المغردة فتح عينيه. جاس بنظره فيما حوله و ظل الصمت مطبقا. أصوات الغابة الخفيفة تشق طريقها إلي أذنيه بلا مشقة. دوار خفيف و بعض من عطش. ازدرد لعابه بصعوبة ما، ثم حاول أن يقوم. فشل مرتين ثم انتصب. نفض التراب و بقايا الحشائش من فوق عباءته. مد يديه إلي وجهه فوجد ذقناً. تلمسها قليلاً و هو يمسدها في حيرة. الأرض منحدرة وهيدة حيت يقف. تحرك في أناة مقتربا من النور الذي يمرق من بين أغصان الأشجار من حوله. كان جرف ضئيل مشرف علي المدينة. تأملها جيداً و هواء الصبح يصفع وجهه صفعات رقيقة. وجد نفسه ينزل من علي الجرف ببطء لكي يمشي نحو المدينة بتؤدة. سمع صياحاً من حوله، رأي اثني عشر شاباً يقبلون باتجاهه مبتسمين. لم يدر لِمَ و لكنه أكمل طريقه نحوهم مطمئناً. الحمد لله علي رجوعك يا مولانا. نطقوها باختلاف الإلسنة و الألفاظ. لعلك جائع؟ عطش؟ أينتابك دوار؟ ابتسم لهم و ابتسموا له. أخذوه من يديه في دروب المدينة حتى استووا إلي مائدة وئيدة. مد يديه إلي الطعام فأكل لقمة. مد يديه إلي الجرة فارتشف رشفة. سند ظهره إلي جذع شجرة من ورائه فشعر بالصفاء. سألوه أسئلة لم يدر لها إجابة فقال ما يعن له في ذات اللحظة. يقبلون يديه و ينحنون. يجد نفسه يقول أن شمس. أما رأي أحدكم شمس؟ يتبادلون النظر ثم يسددون إليه أعين بكماء. يصمت حتى يختفوا. يظل علي صمته قبل أن يقوم بهدوء شديد، ململماً أطراف عباءته، قاصداً الدغل الصغير.

صرخ البلبل فصحا. فوق اعلي تل حول المدينة وجد نفسه راقداً. العين تألف منظر الأغصان المقلوبة بعد لحظة. العين تُغلق لبرهة و بعض من عطش يجتاح القلب. يزدرد لعابه بصعوبة ما ثم يستند إلي مرفقيه رافعاً جسده لأعلي ببطء. تنشد رأسه باتجاه الأرض فيشعر بدوار يعصف بالرأس فجأة ثم يعفو. أكمل قيامه فانتصب متجاهلاً نوبة أخري من الدوار. اهتز قليلاً في وقفته و لكنه كان يعلم أن الدوار سيزول. النور يسقط علي وجهه ما بين الأغصان الرهيفة للشجر الذي يحوطه. شق طريقه بينه بينما هو يعدل من عباءته و ينفض ما علق بها من تراب و حشائش. تئن المفاصل أنيناً خافتاً كما هو صدي فيتجاهله مكملاً طريقه. الهواء يدور من حوله حاملاً إليه رائحة يعرفها و لكنه لا يعرف مصدرها. امامه انبسطت المدينة الصغيرة و اهلها يجوسون بارجائها في هدوء. برز له اثنا عشر شاباً مهللين. تفاوتت الالسنة في بسط العاطفة و لكنه استوعبها جميعاً. قادوه إلي منضده واطئة فشرب جرعة ماء و التقم قطعة خبز. اسند ظهره إلي جذع شجرة و شعر بخدر خفيف. من حوله يجلسون القرفصاء و يطلقون اسئلة لا قبل له بها. يصمت حتي يستحثونه فيجيب بما يخطر له في التو. يصمتون فيصمت. يقبلون يديه في تبتل و يمضوا. يجلس هو و في ذهنه سؤال لم يسأله لهم. لا يعرف لم لم يسأله. هز رأسه ببطء. الاجابة التي يبتغيها لها ألف سؤال. بعدد الأسئلة تكون الاجابة الواحدة. فسؤالك لم يكن هو المفتاح. قام و هو يسعل سعلة صغيرة. وجد نفسه يلملم اطراف ثوبه، متجهاً إلي حيث يرقد الدغل الصغير، ذو البلابل الصارخة.

كأنما جاءه هاتف فوجد نفسه يفتح عينيه مع صوت الرياح التي تخترق الحشائش في قسوة عطوف. شعور بالألم ينبض في صدغيه بدعة. يزدرد لعابه بصعوبة ما و هو يتذوق شفتيه بحركة عفوية. حلقه جاف و عظامه أنت عندما استوي فوق الأرض. لاحقه دوار خاطف ثم انحسر من فوق رأسه بسرعة. نفض عباءته من بقيه تراب و حشائش و مد نظره فوجد اشجاراً تحوطه و بلابل تنظر إليه. صوت الرياح و همس البلابل و خرير الجدول الصغير بالقرب منه امتزجوا و ناموا في اذنيه. يري ترقرق الماء من بين الاغصان الرهيفة فيبتسم. يمشي متجاوزاً الخميلة الرقيقة فيجد المدينة منبطحة امامه. يضرب في ارجائها و مازالت الاصوات نائمة في اذنيه. يقابل احد عشر شاباً مهللين. تتحرك شفاههم و هم يضحكون. يهز رأسه و ابتسامته تتسع. يأخذونه من يده إلي مائدة صغيرة فيتجرع من الجرة مرة، و يمد يديه إلي الصحف مرة. يسند ظهره إلي جذع شجرة و يصمت. تحركت شفاههم و هـــوصامت ، إلي ان استقرت شفاههم قليلاً فوجد نفسه يقول ما عن له. قبل فوق يديه و علي مقدمة رأسه ثم كان الرحيل. عيونهم بكماء فلم ينبس بشفة و هم يختفون أمام عينيه. لملم اطراف ثوبه و نفضه جيداً. إلي الدغل البعيد الصغير مشي.

نفخ في صور بعيد فصحوا. الاشجار من حولهم و البلابل منتصبة فوق الاغصان. خرير الماء يخترق آذانهم و النور يلقي بهمه علي اعينهم. ينتصبون فيستند بعضهم إلي بعض. يتنهدون و هم يحكون رؤوسهم بأصابعهم، ثم يمضون جميعًا نازلين الجرف إلي حيث المدينة الصغيرة تتثائب.

7 comments:

Anonymous said...

عزيزي محمد

القصة جميلة وحاولت فهمها قرائتها اكثر من مرة حاولت اكتشاف من هو ذلك الشخص ومع كل سطر كنت اعود للقراءة من جديد ..احسست ان فيها شيء منك
اعجبتني التعابير الفنية فيها والصور وعشت معها وكاني اراها امامي

شكرا لانك اخذتني مع كتاباتك لعالم مختلف

بتمنالك يوم سعيد

عباس العبد said...

كالعادة متميز يا استاذ علاء
انا قرأت لحضرتك قصة " انجيل ادم " ممتازة
طبعا ... انت لا تحتاج الى رأى انا اعلم
المهم انا عايز بقية كتاباتك
انا قريت عناوينهم و دور النشر
لكن ده مش مهم
المهم
منافذ البيع اجيبهم منين
تبقى مشكور لو دلتنى
طبعا من اسمى حتعرف مدى حبى لرائعة احمد العايدى
لدرجة انى كتبت مدح فيها فى مدونتى
انا عايز اعرف ... هو احمد العايدى كتب حاجات تانية ... طبعا غير كتابات الدستور
اقصد روايات اخرى
المهم بقى كمان تعرفه
انى بسببه اشتريت فوق ال30 كتاب من دار ميريت
علشان اهديهم لأصحابى و معارفى
يعنى بالعربى كده
فلوسه هو و دار ميريت
من جيبى
و يا ريت تبلغ ميريت انى مدمن
مفيش كتاب اصدرته مشترتهوش و مقريتهوش
و نفسى لو حبيت انشر حاجة فى يوم يعنى لو اتضح انى كاتب
انشرها من ميريت
طبعا انا عامل لينك من عندى على مدونتك و دى حاجة اكيد متزعلكش
المهم متنساش يا استاذ علاء
اماكن شراء باقى رواياتك
شكرا مقدما

Muhammad Aladdin said...

عزيزتي رشا
شكرا لك انت علي المجاملات الرقيقة
بتمنالك يوم اسهد
:)

عبس
بالنسبة للإصدارات ممكن تروح معرض الكتاب و تسأل مرة واحدة في تلات حتت
1- منافذ بيع هيثة قصور الثقافة
2- منافذ بيع المؤسسة العربية الحديثة (لاعداد مجانين)
3- منافذ بيع دار الحسام

بالنسبة للفلوس ففلوس ميريت ممكن تكون من جيبك، بس ميريت ما بتديش فلوس للمؤلفين: يعني انت تارك مع محمد هاشم يا سيدي
:)

بالنسبة للعايدي فهو مالوش أي كتاب جديد لغاية دلوقتي، و أظن انه يسعده وجود قارئ ليه بالحب و الحماس ده
:)
و بالنسبة لميريت، فانت مش محتاج لأكتر من زيارة لمحمد هاشم علشان تقدم نصك، و تأكد لو انت بتكتب كويس ح يحصل كل خير

تحياتي، و متشكر علي كلامك و اهتمامك
:)

Anonymous said...

علاء كان عندك حق ....ع براندو

http://www.magdycomics.com/blog/

مجدى الشافعى

عباس العبد said...

شكرا يا استاذ علاء
شكرا

Eve said...

good work ya lol ;)

Muhammad Aladdin said...

مجود
عيب يا معلم!
:)

عبس
العفو يا سيدي
:)

رأيك شرف لينا يا ست إيفو
;)