مذ ثلاث سنوات، في مقهى انترنت بائس نحيف مستطرق، كنت انقر الكلمات الأولى لهذه المدونة. (لا أحب كلمة "مدونة"، أفضل المنطوق الإنجليزي "بلوج". لست ادري لماذا تحديدًا، فقط يبدو لي أن التعريب أثقل المفردة الأجنبية بخيل القبيلة ونوقها. قطعُ لخفة مطلوبة يفضي لاتصال يستدعي- في ذهني أنا على الأقل- ثقل جهم ذو تصريفات فعل تضرب بجذورها نحو ماض لا يعرف ذلك الوسيط الذي تعبر عنه المفردة. )
في أحيان نادرة اضغط على آلة زمني الصغيرة هنا، لأسترجع ما كنته خلال هذه السنوات الثلاث، أقرأ وأقرأ، وابتسم أحيانًا، وربما استرجعت طيف حالة كنت فيها في يوم من الأيام. أفكر بأن هذا "البلوج" قد حفظ شيئًا من المسطح الأبيض الذي ارتمى ورائي؛ الزمن الذي استغرقني واستغرقته حتى
عودني أن لا أتعجب عندما يفارقني وهو معي، أو عندما يصاحبني بينما هو غائب. مسطح أبيض محايد يرتمي ورائي، وإن فكرت قليلًا فسأجده يمتد أمامي وعبري، ولكنه يتبدى، في ذات الوقت، مثقلًا بأشياء تتجاوز صفة البياض والانبساط التي تتبدى لعين عقلي.
يحتفظ لي "البلوج" بتعرجات وظلال في هذا المسطح، تفصيلات حادة بتواريخ وأرقام وصور. لست أدري- صدقًا- لِمَ تنتابني موجات هي أقرب للسعادة حين يُذكني البلوج بميعاد طرح رواية أو ذكرى احتفال شاركته مع أصدقاء.
ولكنني أعلم أنه تتملكني الحيرة الممتعة حين أقرأ سطورًا لا أفهم ما واكبها من حياة. أتحول في لحظة ممتعة لقارئ أنا الأخر. قارئ يحاول فك طلسمية سياق الكاتب وإلغاز كلماته. قارئ لا يعرف الكاتب ولا يعرفه الكاتب. أجاهد لأتذكر، أو لمزيد من التحديد، أجاهد لأعيد بناء ما تهدم في عقلي. قد أبتني لنفسي حدثًا يبدو متسقًا وسهلًا، ولكنه قد لا يكون ما حدث فعلًا.
ربما كانت هذه المتعة الفارقة في كتابة بلوج طويل. بلوج يفرد جسده كقط عابث مدلل فوق سنين ثلاث. يقول لي البعض أن بلوجي بمثابة جريدة متنوعة. يثني بعضهم على اختيارات الصور، ويعجب البعض الأخر باختيارات الأغاني، بينا يترك بعضهم لي شتائم بعضها مجدول برأي ذو منطق، وبعضها من باب التكدير البسيط الصريح.
عبر هذا البلوج عرفت أناسًا أحببتهم كثيرًا جدًا، وشاركوني لحظات راحتي ولحظات كدري. حتى وإن لم يفكوا الطلاسم جميعهًا- فلابد من تخمير بعض الوقائع داخل روحك مهما إن كان- فقد شاركوني في السؤال، وإن اختلفت مناطقه. أفكر الآن بهؤلاء الأصدقاء القريبون البعيدون، الذين يكتبون همومهم ويدخلون ليقرؤوا همومك.
عبر معي هذا البلوج بأحداث قد لا تكون كثيرة ولكنها مهمة؛ شهد معي نشر رواياتي الثلاث، وبيع سيناريوهاتي، وظهور أول سلسة قصص مصورة لي، والخ الخ الخ. في أحيان، أفكر في أن هذا البلوج، ذو التسعمائة ونيف قطعة موزعة بالعدل على ثلاث سنوات، هو الحياة المكتوبة الموازية. الحياة التي نبحث عنها دائما ككُتاب في كل الفنون التي تحيط بنا. حياة مكتوبة موازية لها قانونها الخاص، وتفسيراتها الخاصة، وولعها الخاص وعلاقاتها الخاصة. حياة تشبه حياتي جدًا، ولكنها ليست هي بالضبط.
ونهاية، ولأنني استشعر ثقل ظلي المعتاد عندما أكتب الاحتفاليات، أود أن اشكر قرابة ربع مليون زائر زاروا هذا البلوج مذ وضع عداده في النصف الثاني من سنته الأولى. أشكر كل عابري الصدفة والمتابعين، كما أتردد قليلًا قبل شكر الشاتمين ولكنني في النهاية اشكرهم أيضًا. قد اشعر في أحيان كثيرة بأنني أجرجر أيامي ورائي فوق ارض غير ممهدة، ولكن وجودكم مؤانسة تكفي لتهدئة الجروح المتململة.
6 comments:
كل سنه وانت طيب يالول
وكل سنه والتنين الاخضراني طيب
:)
كل سنة وانت جميل
أنا بحب البلوج ده بجد
:)
كل سنة وانت طيب
:)
كل سنة وانت طيب
:)
سلامو عليكو
هناك عناصر تحب أن تجدها عندما تحتاجها
لأنها تربت عليك بشكل أو بآخر
و تخفض من ألمك و حزنك
كطاجن المكرونة بالتقلية من محل الكشري الذي تحلم يوما بخناقة كبيرة مع صاحبه
كفنجان القهوة المصنوع ببن محوج لا تطيقه و يحلف لك القهوجي أنه أمر باحضار طلبية بن سادة مخصوص لك
ككتاب يخطفك من الكرسي الذي تجلس عليه و تجد على لسانك طعم سطوره
كبلوج يستوقف السعار المعلوماتي المحموم و ينثر عليك كلمات تمنحك شعور بالخدر فقدرة على الاستمرار
رغم تحفظاتي الكتيييير على تامر حسني أهدي لكل العناصر التي ذكرتها أغنية " و ميحرمنيش منك"
إزيك يا محمد..أنا حاولت أكلمك ع المسنجر عشان أقولك إني قريت روايتك الصنم وإنها تحفة بس لم تفلح محاولاتي
حبيت إذن أن أسجل أعجابي الشديد بالرواية هنا، ومش بس الصنم بس سجل من التقدير لك ككاتب بدأ من اليوم الثاني والعشرون ، وتأكد أكثر في الصنم
إلى الأمام يا أستاذ :)
Post a Comment