designed by: M. Aladdin & H. Fathy

Thursday, December 28, 2006

..على سبيل التغيير


يقولون لي انها امطرت اليوم علي القاهرة. تكتبها صديقة الانترنت بحماسة و يقولها صديق الحياة بفتور. الفتاة تحب الشتاء و المطر، و الصديق يحب الشتاء فقط. ربما هو لا يحب الشتاء لأنه قلّب شفتيه عندما اخبرته بحماستي لجو اليوم.

رياح باردة. باردة. باردة.

الموسى البارد ينزع عني شاربي و لحيتي و بعض من الجذور المزدهرة بنقاطها السوداء علي صفحة وجهي. قررت ارتداء المنظار الطبي اليوم و تصفيف شعري إلي الجانب. قميص ابيض بخطوط زرقاء رأسية متتابعة شديدة التلاصق و علي شيء من الغلظة الداكنة. بنطالي الجينز الازرق و معطفي الجلدي الاسود الطوبل. لا ارتدي فانلات داخلية عادة. قميص و بنطال و معطف و ذقن محلوقة استقلبت بهم الرياح الباردة. لا اعلم ما علاقة البرد و الرياح بصفاء التفكير. ربما هي رابطة وحيدة اجدها لديّ. داخل المقهى اجد انفاسي تتراقص مرئية كأفاعي الكوبرا.

استوقفني ابن صاحب القهوة و تساءل إن كنت "الباشمهندس" الذي كان يجلس مع ذات الصديق قبل يومين. اجبت ببلى. لم يسأل ليطالب بحساب منسي، و لكنه كان مستغربًا، و افهم ذلك.

قبل يومين كان شعري مفرودًا للوراء، ذقن هلالية و شارب رقيق. عينين يقول بعضهم—و بعضهن—أنهما حادتي النظرات.

الآن هو شاب حليق. منظار طبي بلا اطار ربما يلطف من حدة النظرات. شعر مصفف باتجاه يده اليمنى بعناية و شيء من التلقائية في آن واحد. ابتسمت و قلت "تغيير".

احبرني الرجل الاربعيني—ايامها—أنهم لم يملكوا في ذلك الزمان القريب البعيد سوى شعورهم. رينجوستار و الشعر المنسدل ايامها هو اقصى ما يمكن ملاحقة صيحة الاناقة الستينية به في اسرة فقيرة. تعجبت عندما قرأت في رواية أن البطل سعيد بالبنطال البنفسجي "رجل الفيل"، و استوقفني أن الرجل الأربعيني—الذي صار خمسينيًا الآن—لم يفكر في شعر وجهه. بقي حليقًا من الصور التي رأيتها له. ابي كذلك بقي حليقًا علي الطريقة الرومانية و إن لم يلتزم باسدال الخصلات علي الجبهة.

الرياح الباردة تضرب وجهي و انا امشي بتؤدة في الميدان الواسع. بشر قليلون و الساعة تشير للثانية صباحًا.

"إلى أين؟!"

استعجب صديقي مني عندما اخبرته برغبتي في الرحيل. عنده حق لأن ذلك التوقيت اظهر فيه مقبلًا، عادة. قلت له "تغيير". هي ذات الاجابة التي منحتها لأحمد اللباد الذي سألني باهتمام اخ اكبر عن سبب عدولي عن النشر بميريت. كنت صادقًا بالفعل. "تغيير".

لم أبدل عادة اليوم و تناولت رغيفًا آخر من الجبن الرومي الآن. عندما صببت العصير اكتشفت أن التغيير قام به البائع الطيب الذي دس لي عبوتي عصير لتريتين يقولون انه بلا سكر في الكيس، لأدسهما انا في المبرد، لأكتشف قبل دقيقة ان العبوة الاولى هي عبوة عصير برتقال و ليس عصير كوكتيل. اشرب عصير البرتقال كعبوة ثالثة من استهلاكي اليومي و لكنني قررت الاستعاضة عنها اليوم. تغيير ما. لا استطيع ان امنح البائع حق التغيير الاصيل فيما فعله.

استمتع بطعم البرتقال الآن و انا اكتب هذه السطور بلا معنى. البرتقال يبدو مناسبًا لجو الشتاء و لا ينقصني سوى البرتقال ذو السرة أو اليوسفى لاقضي ليلة شتوية مجيدة. افتقد الرياح الباردة التي تعدو بالخارج، فكرت في نقل اللاب توب إلي الخارج، حيث فناء بيتي، و لكنني تراجعت.

اعترفت لنفسي أنه من المعقول أن نعد محبي الشتاء مازوخيين إلي درجة آمنة. مازوخيين عاقلين أن جاز التعبير. ارتعاشات تشي بالمتعة داخل الملابس الثقيلة و تلذذ بالوجه الذ يكاد أن يتجمد. هكذا فحسب. ربما لا نحب البرد حقيقة لأننا لا يمكننا تخيل البقاء بلا ملابس في ثلاجة. ربما هو نفاق و تلذذ مأمون العواقب. عندما افكر ثانية اجد أن البرد ليس هو الصقيع. جانبني الصواب إذن لأن محبي البرد شيء، و محبي الصقيع شيء آخر تمامًا.

ربما يكون محبي البرد اوغاد اكتئابيون فحسب. البرودة تعني علي المستوي النفسي الانعزال و الوحدة. العزلة. "السقعة تحب اللمس" علي رأي عمر طاهر. يصفون الانثي المثيرة بأنها "ساخنة"، و يصطكون عبارات مثل "سرير وثير دافئ"، و اجد الشقروات—الحقيقيات—شعرًا و بشرة ساخنات ليس بفعل الاثارة وحدها ( و هنا لا يمكننا تجاهل السمراوت بالطبع!)، و لكن لذلك اللون الذهبي الساخن كالاحمر و البرتقالي. انثي ساخنة و سرير وثير دافيء و شعر و جلد شقراويين. انتبهت إلى مزيج البركة القوقازية الشهير، الشعر الذهبي و العيون السماوية الزرقاء. الأزرق، لون السماء، هو لون بارد. ربما هو لون شديد البرود في درجته "الثلجية". صقيع.

الملابس تقينا الصقيع و تمنحنا بركة التنويع في الالوان في آن واحد. بيكاسو يميني تسويقي وغد امنحه النقود بامتنان. لم ارتد ملابس كثيرة رغم ذلك. معطف و قميص و جينز. رياح باردة تضرب صدري و تلتف بهمس حول كليتيّ بين فترة و اخري. تغيير و معاطف و جينزات و قصات شعر و حلاقة ذقن و مازوخية و رينجو ستار و شقراوات ساخنات و سمراوات ملتهبات و تلامس و فن علي الحوائط و فن علي الاجساد و بالاجساد و قهاوي بلدية و عصير البرتقال الطبيعي و شطيرة الجبن الرومي و الحليق الروماني و الرياح الباردة التي توحي بالعزلة. فوضي يثيرها العيش.

جاء في ذهني أن العنقاء هو كائن متناهي في اللامعني. حي و باق و بلا تغيير في ريشة هنا أو في منقار هناك. كائن خرافي ربما يتمني أن يجئ من يقتله ليصعد من رماده مرة ثانية علي سبيل التغيير. سيكون ذات الكائن بذات المنقار و ذات الريشة و لكن القيامة ذاتها من بين الرماد عملية مسلية قياسًا ببقائه طائرًا احمق يُستخدم في الحكايات الخرافية فحسب. هو كائن خرافي لطيف يجول صوته الصارخ في صفحات المغامرات القديمة بلا تبدل، و يقتل و يقوم ثم يحيا بلا تبدل، و يمكن ضمان عدم حسابه ضمن الاوغاد المازوخيين أو الاوغاد الاكتئابيين لأنه ببساطة يملك مصنعًا للمازوت في منقاره، يبخ به النار علي عبيد الله كل فترة و اخرى، علي سبيل التغيير.

....................................................

اللوحة: بورتريه للمبدع احمد نادي بريشته

5 comments:

كراكيب نـهـى مـحمود said...

ممممممم
لا اعرف ما الذي ابقى عيني ثابته تماما بلا رمش حتى انتهى البوست
ما الذي حبس انفاسي حقا
اهو اكتشاف ان هؤلاء المختلفين عن المرأة يملون مثلها
ان الرجل قد يدفعه التغيير لفعل ما كتبته في البوست
حركتك كانت مثقلة وكذلك كلماتك
تحمل هما تفكيرا وببساطة رغبه في التغيير ربما
البوست كالعاده عجبني جدا
واجمل ما فيه شجاعته ان نفعل النقائض فقط لننا احرار ولاننا نرغب في التغيير ده اكيد خبر كويس
كل التحية لك ولابداعك القوي المختلف

Muhammad Aladdin said...

شكرا يا نهي.. و التحية ليكي انتي يا ستي علي كلامك الرقيق
:)

Anonymous said...

feh 7agat el wa7d maby3rfsh y comment 3aleha..so no comment! :D
er7mna b2a msh kida..enta ele sady elnaz3a!! :D

iDip said...

للشتاء ناس كما للصيف والمطر والغبار والثلج

فكن من مريديهم جميعا... تقهر الفصول جميعا
كما فعلت عندما حلقت ذقنك في ليلة باردة

وكل عام وانت بخير

-على فكرة.. الحرارة وصلت امبارح في الصحرا
2 C

فيا مثبت القلوب والابصار... ثبت اجسادنا علي أرجلنا

Muhammad Aladdin said...

وئام
سادي جدا! و متشكر علي صمتك البليغ
:)

آي ديب
اللهم ثبت جسدك علي رجلك و اللهم ابقاك صديقًا عزيزًا
:)