أسامة الدناصوري
كلبي الهـَرِم.. كلبي الحبيب
.
.
.
الولاعة الصفراء الجديدة
(الخميس 20|4|2006
1,30 صباحًا)
أخيرًا وجدت ولاعتي الزرقاء. (في الحقيقة، لقد وجدتها في الصباح، و لكن يبدو أنني مازلت مغرمًا بالجمل الكبيرة التي تقبض علي المستمع أو القارئ، و تثبته، لكي يكون كله آذانًا صاغية).
كانت في (المج) مع الأقلام. الأقلام التي لا أكتب بها شيئًا، و لكني حريص على أن تكون دائمًا هناك. و إن حدث و كتبت، إن حدث، فأي قلم، و عادة يكون من مكان آخر.
وضعتها فيه مرة عندما قلت لنفسي سأقلع عن التدخين. كانت مليئة بالغاز، و لم أكن أحب أن أرميها في الدرج الخاص بالولاعات الفارغة. يوجد الكثير منها.
إنني نادرًا ما أرمي شيئًا. أحبُّ أن أصحو فأجدها (كنت سأقول: أصحو فلا أجدها عوضًا عن أن أرميها بنفسي).
هذا موضوع طويل، لست فارغًا له تمامًا الآن.
نزلتُ اليوم..لا..نزلتُ أمس، بولاعة جديدة، و علبة بها أربع سجائر.
أنا في الأيام الأخيرة أحاول ألا أتجاوز خمس سجائر في اليوم. لكنني مرات قد أفاجأ أنني دخنت 11 أو 12 سيجارة.
أنا أحب التدخين، كما أحببت أشياء كثيرة.
إنها حياة كاملة.
ما ذكرني بالولاعة، أنني بحثت عن الذهبية النحيفة الجديدة، التي نزلتُ بها، و أمضيت بها سهرتي عند (حاتم) و جلست بها في آخر الليل مع حمدي على مقهى في شارع فيصل.
كنا مسطولين، عندما ركبنا عربتي البولو الخضراء، ناويًا توصيل حمدي أولًا، لأن عربته (المرسيدس) تشكو من بعض الأوجاع. ظللنا صامتين فترة طويلة، كان يستمع إلى إذاعة الأغاني. و كنت أقاوم إعصارًا من الكلام يدوّم بصدري و رأسي، و أتردد. أنظر لحمدي، و أعود للصمت. كنت أوقن أنني إن لم أتكلم، سيموت الكلام داخلي و يتعفن. و لن أستطيع كنابته، لأنني كنت أشك في قدرتي على الكتابة ثانية. (أنا متوقف منذ ثلاث سنوات).
لم أكن أعلم أي شيء عن كنه هذا الكلام، و عن أي شيء يدور، فقط هناك كلام، و كلام غزير، و لابد أن يسمعه أحد.
عدت أنظر لحمدي: إنه صديقي. و لأنني أعلم أن هذا ليس كافيًا، رحتُ أطمئن نفسي: إنه ذكيّ، حسن التقدير، يقظ الروح. و فجأة امتدت يدي و أطفأت الراديو، و عدت للصمت ثانية. و هو لم يسأل، بل ظل صامتًا معي. (ألم أقل إنه ذكي؟).
ثم أنكشف الغطاء، و خرج الكلام بصوت مبحوح، و حماس لم يرني حمدي به من قبل. لدرجة أتتي أشفقت عليه. و لأن الطريق أوشك على الانتهاء، و الكلام في بدايته، اقترح حمدي أن نجلس علي أحد المقاهي.
الولاعة الصفراء في النهاية أخذها حمدي. رغم انه يمتلك واحدة هي أخت لها. تكاد تكون توأمها.
كنت كلما أردت إشعال سيجارة، أبحث عنها، و يبحث هو، ثم يخرجها، فأقول له: خذها، أنا لديّ واحدة أخرى في البيت، و لم يكن يرد عليّ.
و في مرة، أخرج ولاعتين صفراوين متماثلتين.
أنا متأكد أنه عندما يفرغ جيوبه في البيت سيضحك.
... و ربما لا.
............................................
عن جريدة أخبار الأدب المصرية—العدد 693—22 أكتوبر 2006
"كلبي الهَـرِم.. كلبي الحبيب" تصدر قريبًا عن دار ميريت.
1 comment:
اسلوب السرد جميل لابعد الحدود والتفاصيل الصغيرة دا غير العنوان ... كله كله عاجبني جدا جدا
Post a Comment