...منه فيه

زي الحاجات الحلوة دايما القهوة دي مرتبطة بذكريات. عشر سنين من عمري و انا قاعد فوق كراسيها، باستمتع بضلها في الصيف و بتكتك من هواها في الشتا. قهوة منه اللي اسمها اساسا قهوة حسن سرور و النوبة و غيره من الاسامي، بس معايا انا، و مع "مشروب المنه فيه الساحر"—شوب شاي بحليب صافي من غير نقطة ميه—قررت تسميتها "منه فيه". هو نفس الاسم اللي كان اصحابنا الصحفيين و الكتباتيه—اللي اتجرت رجلهم للقهوة—محرجين جدًا لما يوقفوا حد من معروف و يقولوله "قهوة منه فيه منين و النبي يا ..". طبعًا بصة الراجل ح تكون مش و لابد
حربي و اسعد و عشري تلات اخوات قهوجيه من سوهاج بيبدلوا في اللايام.. طبعا كان معاهم ثروت—الله يرحمه—و علي النصبة ممكن جدًا تلاقي "نجيب" اللي ايده تتلف في حرير، و تتلف في كلبش برضه، لأنه ممكن يعملها مع اي كائن حي اكبر من 13 سنة، و اسمه الحركي كان "لص بغداد"—علي رأي صاحبنا ريتشارد—لأنه كان اقرع و اهتم إلا من نابين بيبانوا لما يضحك
سيبك من أن حربي اسمه الاصلي ممدوح و مراته ماتت بعد عدد مش بطال ابدا من العيال. ده غير طبعا جنان "عشري" بالنادي الأهلي نادي القرن. هرشة اسعد علي نتايج و نوت شركة مجدي الشافعي و شنط وائل و مجلات عبد العزيز و كتب العبد لله. الميكانيكي عصام و خردوات عم سيد و فول محمد ابو بيض مسلوق. برضه ممكن تسيبك من حبه صبيان الشيشة اللي بيروحوا و بيجوا كل شوية، بس اوع يغرك عقلك و تحاول تلاقي شيشة عالمية في "منه فيه"، لأن ده واقعية سحرية أو خيال علمي—أيهما اقرب
خناقات الكوتشينة بين الرجالة العواجيز تبان حامية و لكنها ودية جدًا، و اصوات النوبيين العسل العالية و الخبط و الرزع و شويتين الزعل الطايرين، كل ده، ح ينزل علي مفيش. سيبك من دي كمان
فوق الكراسي دي كنت باقعد و بحلم و الغريبة انها فضلت معايا لغاية ما الحلم اتحول لحقيقة. شيء غريب بجد أن نفس المكان يشهد عليك و انت من حال لحال. قبل "منه" كانت قهوة "شمس" في التوفيقية، و "زهرة النيل" في باب اللوق، و كافيتريا فندق في 26 يوليو. فضلنا نتنطط من مكان لمكان لغاية ما "منه" لمتنا، و بعدها افترقنا. كله راح في حتة و انا فضلت في ذات المكان. قعدة الكوتشينة بقت قعدة و تمطيطة و احلام عبيطة. بعد صدور مجانين—سلسلة كوميدية كنت بكتبها مع زمايلي اللي منهم فتحي و العايدي—اختارت الشلة "منه فيه" علشان تكون المقر. محاولات من ناس ناحية الندوة الثقافية باءت بالفشل الذريع. كنت قاعد و سيجارتي في بقي و بابتسم زي شرير جيمس بوند. "منه" يا ارض العروبة
ميزتها الحقيقية انها قهوة مش ثقافية، و حتي لما غزاها الصحفيين و الكتباتية اندحروا امام البرد المنه فيهي العظيم. يعني مش ح تلاقي حد ماسك ودان امك و عمال يطرطر فوكو أو لوكاتش لغاية ما تتشرنق و تتحول لتهييس متشنج مصاب بالحصبة أو شقة صالتين من غير حمام. كل الناس هناك عالم لطيفة و بتحب الناس غالبا و بتبص علي النسوان و بتتاوب و بنج سه و جوهر يك و يالا يا بربري
"منه فيه" في وش اعلان كبير لروتانا علي حيطة برج معروف، و جنبها معروف العشوائية و معالمها السياحية المهمة زي ابو طارق دوت كوم و "كفتجي" ابو خالد الشهير بهوهو في شامبليون، و من الناحية التانية ميدان عبد المنعم رياض و من بعده الرعمسيس هيلتون و ملحقه و ملحقاتهما من نسوان وظاويظ و شباب حايرة رايحة هنا و هنا، و من ورا ده كله النيل.. بتوع الببس و السميط و الحبيبة و المراكبية و اغاني سعد الصغير و حسن الاسمر و عمرو دياب بتلعلع في عز الليل
مليون سيجارة شربتها علي "منه".. و الله ممكن.. مش مبالغة.. ممكن فعلًا. مليون ساعة قعدتها علي "منه".. و الله ممكن. مليون خطوة من "منه" للبيت و من البيت لـ"منه".. من محطة المترو و من سلانترو و من ديوان و من ميريت لـ"منه". و اهو كله منه.. و منه ليه