السياسة كعلم --في جزئها التطبيقي--هي وسيلة تطبيقية و آلية فاعلة لتحقيق الايدولوجيات، و جعلها واقعا معاشاً بعيدا عن سماء الأفكار الرحبة
و الأيدلوجيات، هي منظومة فكرية تسعي في الأصل و في الأساس إلي ايصال البشرية إلي فردوس مفقود، علي اختلاف انواعها، و حدية توجهاتها، و تنوع الاستعداد لتقبل الخسارات المتضمنة إذا ما تم تحويل النظرية إلي حياة اجتماعية
أما السياسة كفعل اجتماعي، ينطلق من طين و ماء، فهو يمتاز بكلا من الزهور و الجيف، بل و يمكنني التأكيد، بضمير مستريح، أن الجيف لم تترك مكاناً إلا و رقدت به
السياسة هي منتج معاد التدوير، فالأنسان ابتكرها و استخدمها، كما هي تبتكره و تستخدمه. و داخل مثل هذه المنظومة التي لا تتميز بالجلال أو بالنورانية، يمكننا تخيل التمثال عبر عيني الصانع. و لا اهدف هنا إلي نقد حالات استثنائية في السياسة، مثل الجنرال سوار الذهب في السودان مثلاً، انني لا اتكلم عمن يأخذ السياسة كعلم تطبيقي هدفه تحقيق فردوس مفقود. انني اتكلم عن السياسة كفعل اجتماعي، كفعل يتيه عشقاً بالسيطرة و الحكم، انني اتكلم عن ميكيافيلي
السياسة هي فعل انساني، و لذا يمكنني ان اتكلم عن السياسي كشخص و كأسلوب بدون حرج شديد، و بدون الأتهام باللا موضوعية. دعنا نتكلم عن السياسي كدور اجتماعي
السياسي هدفه الأول هو السيطرة، البقاء في الحكم، التمتع بأبهة السلطة و ملمس الحرير فوق جسده. السياسي هو كائن يدمن السلطة و يعتنقها، سواء كان مكانه العرش، أو حتي تجعيدة صغيرة داخل بلاط السلطان. و هنا تبرز الوسيلة
الوسيلة في البلدان الغربية --المتقدمة بتعبير اعم و ادق--هي الخدمة
السياسي يبقي في السلطة لأنه يخدم جماهيره المحلية، أو شعبه الأعم
و المعادلة البسيطة هي: إن لم تخدمني فلن انتخبك
و بالطبع تكمن في تلك البساطة، و حولها، منابع كثيرة للعفن و للرماديات، فليس هناك من ملائكة فوق الأرض. تحدث تحالفات بين مكونات عسكرية و صناعية، تحدث عمليات تضليل للشعب و تلاعبات بأجندة أولوياته، يحدث الفساد و الكسب غير المشروع، بل و تحدث الجرائم الجنائية بمختلف انواعها وصولا إلي فعل الأغتيال و التصفية الجسدية
يحدث كل هذا، و لكن تبقي الحقيقة البسيطة التي ذكرناها آنفا
أن لم يحس المواطن في البلاد المتقدمة بأن حكومته تخدمه كل يوم بتميز اشد، أو حتي تخدمه بتميز مستمر، فسيسقطها بنفس السهولة التي يقلم بها اظافره. يمكن للحكومة أن ترتكب ما شاء لها من آثام علي المستوي الدولي، و لكن طالما كانت الأوضاع المحلية مرضية، فستستمر تلك الحكومة و تعيش--انظر بلير و الأنتخابات الأخيرة
و حتي أن كانت حكومته ذات توجه دولي متميز، و احلام بنائة في المحيط الخارجي، فهي أن زادت الأمور سوءاً علي المستوي المحلي
فسيتم معاقبتها فوراً ، و بلا رحمة--انظر الاستفتاء الفرنسي الأخير عن الدستور الأوروبي
إذن الوسيلة هي أن تكون خدوماً
أما في البلاد التي تنتمي مصر لها، ففعل الخدمة يكتفي بدور الكومبارس
بدهية كون مصر ديكتاتورية بامتياز، ينفي فعل الانتخاب، أي التغيير، أي لا يوجد ما يسمي بـ"رحمة الشعب"، أو الأهتمام بما يسمي "الرأي العام" إلا في حدود ضيقة و اشبه بالحلي و الأكسسوار، أو في حالات استثنائية مثل احداث 1977
الاستمرار فوق الكرسي يعني انك "تحت رحمة الفرعون"، و بالتالي تختلف الوسيلة اختلافاً بيناً
الوسيلة هنا هي النفاق.. التدليس.. السرقة.. الفساد، كل ما سبق
و في ظل هذا المناخ الفاسد، من الطبيعي أن تجد الظواهر الأنتهازية اكثر حدة، يمكنك أن تجد سياسياً كان في كل حزب أو حركة مسيطرة في كل مرحلة تاريخية، مهما كان تناقضها و تضاربها. يمكننا أن نري مواكب المبايعات و المعلقات التي تزيد الحاكم تتيهاً بنفسه، و تزيده احتقارا لهم بنفس القوة.السياسة هي فعل اجتماعي يستقي انساقه من المجتمع، المجتمع الفاسد لا يمكنه انتاج غير سياسة فاسدة-- و هذه هي براعة الحكمة السياسية القائلة بأن "كل بلد يستحق حاكمه"-- و إذا ما راجعت ما قلته عن المناطق الرمادية في السياسة في البلدان المتقدمة، يمكنك تخيل مدي رماديتها و عفنها في بلد متخلف
اذكر أن من نصائح الأمريكان في التعامل مع العرب نظرية هي "الشيخ و القبيلة"، و مفادها أن الشيخ هو المهم في كل اللعبة. اكسب الشيخ تكسب القبيلة. خراف مسرنمة تسعي إلي حيث يوجهها راعيها، الذي من الصعب جدا أن يكون صالحاً. و هذه الخراف ستبق خراف مهما حاولت التظاهر، لأنها، و في قرارة اعماقها، قررت من زمن بعيد، أن تكون خرافاً
9 comments:
كلام جميل جدا.
ماااااااء!
فعلا كلام رائع و بيعبر عن احساسنا بشكل كبييير , وعلى فكرة انا كنت قريت رواية بالانجليزى لكاتب روسى'ANIMAL FARM' GEORGE ORWELLو متهيالى انك قريتها كمان لانها رواية رائعة جدا و بالرغم من انها بتتكلم عن الثورة الروسية الا انها بتوصف واقعنا الحالى و كانه سيناريو بيتكرر يارت لو ماكنتش قريتها تبقى تقراها بس ابقى امسك نفسك من العياط.
ميشيل
سلامتك من الماء!
:)
فيوليت
قريتها طبعا، و هي بتعتبر "اهم رواية سياسية في القرن العشرين" رغم انها ساعات فيه ناس بتفتكرها رواية اطفال
:)
عظيمة جدا و عميقة اشكرك
شكرا يا لون وولف
:)
waaaaaw....
ربنا يكون في عونكم وعونّا
I have no idea what this blog or this post is about but I liked the analogy you had alluding to writing and wanted to let you know.
آمين يا تارا
:)
Sarah
Thanks for the gesture.
:)
best regards, nice info » »
Post a Comment