قال لي مولاي العارف بالله الشيخ الناصري أن الحيرة ملح الأرض فلا خوف ولا ضجر. ارفع عيني الحائرتين فيمسد وجهي ويباركني ثلاث. لا تلوم في النفس توقها ولا تمنع عن الحائرين مداد ضعف. استعن بالله في قلبك لينير لسان الشوق وليكفهر لسان الموت، وليكف عنك خداع العينين. الروح واحدة ذات ألسنة شتى، ثعابين تأكل نفسها في فناء مستقر. الذبول قدر والقدر نار والنار نور والنور من عنده تبارك وتعالى على الأشياء جميعها.
اسمع الشيخ وأهز رأسي ولا أحر جوابا، احمل الجسد وامضي. الطرق تتفرق وتتقاطع، والجسد يمضي فوق قائميه، امضي لجوار شجرة تميل إلى نهر، احمل في جيوبي بعض التمر وعلى وسطي قربة ماء. وعندما اجلس، على انهار المدينة، أفكر فيما قاله شيخي، ولا تفارقني الحيرة ولا يفارقني الشوق. أفكر فيما وراء السماء وفيما وراء القدر. دفنت أبي غير بعيد، كما أحب واشتهى، على ضفة الأنهار في مدينتي التي توسطت الدنيا، وقال لي أبي أن أدس بذرة زهرة بجوار جسده الذي سيصير دمية من طين. فعلتها وجلست سنين أراقب زهرة حمراء يانعة فتقت الأرض لتشمم هواء الدنيا. زهرة حمراء كأنها ابتسامة ليلى. ليلى التي تجالسني في الليل، ناظرة إلى صمتي بصمت.
اجلس على ضفة الأنهار وريح تأخذ بزمامي. طيب ينتشر من حولي، ريح طيب من ذيل طاهر. ريح ربما كانت لسان نبي أو عين ولي. ريح تأتي من حيت لا أعلم إلى حيث لا اسأل. داعبت الريح خصلات شعري وكأنها تلقي سلام الراشد إلى طفل نزق. كنت في حال التاجر وكنت في حال الدنيا، أحصي المنفعة بالقرش والسعادة بالفدان. أيام كنت فيها ما يحبون، وكنت فيها ما أكره. أيام بعيدات، بعيدات كسراب في الصحراء.
أيام كنت فيها ادفن ذكري في النساء ولا ألج، امسك ولا أحس، اقبل فلا اشف. يوم جاءني النور فأدركت أنني كنت أنام جوار ليلى، ولست في ليلى. وعندما نمت فيها، وحمتني أسوار دارها من فقد ومن عوز، ودفأتني من برد ومن وحدة، تحول الحب عشقًا وتجاور الوله بالتأني. عشقتها فاستغربتني، وعندما لفني النور بنور والنغم بنغم رأتني شريدًا،ولأنها لم تراك فيها فلم تراك فيّ، فعندما مددت صمتي جسرًا مدت هي صمتها سدًا.
كنت، قبل النور، امشي طرائق واذرع طرق، فالآن طريقة وطريق، من الشيخ وإلى الشيخ، ومن نوم اصغر لنوم أكبر، فكل الحياة حجاب يحول بيني وبينك يا مولاي ومولى العابرين. التقيت بابك فصار مقصدي، وجلست إلى سبيل ماؤك فصار مشربي. صرت في حالك بعدما هجرت حالي.
اجلس على ضفة انهار مدينتي، بلا جزع من حمام لا يعطف محييًا، ولا عصافير هجرت أرواحها وراء الشمس. الريح تحيي واللسان يشكر.
.......................................................
مقطع من شيء غير مفهوم في طور التغابي.
العنوان من المزمور 137- التوراة... طبعا!