writing is a green dragon with a purple mustache
Saturday, May 28, 2016
Tuesday, May 10, 2016
القلم والصولجان: في الحديث والصمت (مقال قديم)
"أنت على حق.. نحن هكذا فعلًا". قالها عمر
توريخوس، ديكتاتور باناما، لجابرييل جارسيا ماركيز وهو يحادثه عن خريف
البطريرك. لم يخجل توريخوس من الاعتراف بأنه ديكتاتور، بل وأبعد من ذلك، لم
يخجل أن يعترف بأن جنرال ماركيز يشبهه. ربما لم يقصد ماركيز توريخوس،
صديقه العزيز، في كتابة سيرة جنرال منطقة الدومينكان التي لم يحددها، ربما
كان إلهامه الأكبر شخصيات مثل فرانشيسكو فرانكو إسبانيا، وخوان فيسنت جوميز
فنزويلا، وجنرال دولته بينيا. ولكن توريخوس، الوسيم ذو السيجار، لوّح له
باستهانة معترفًا أنهم هكذا.
لكن مربط الفرس هنا، هو ما وصف به ماركيز
روايته: "قصيدة عن عزلة السلطة"، ربما هذا أيضًا، العقلية التي وراء
الكلمة، هو سبب صداقة ماركيز وتوريخوس الحميمة؛ لقد استطاع الروائي الأشهر
أن ينفذ إلى عمق أزمة الديكتاتور الوجودية، كما يراها أو كما يجمل عداوته
لها، فكلما تعاظمت السلطة واتجهت للإطلاق، كلما عظمت الوحدة أيضًا.
قضى
ماركيز حياته في باريس معدمًا، في رحلة كرّرها إرنست همنغواي وخوليو
كورتاثار، (والأخير وقف ماركيز الجائع المفلس ليراه عبر زجاج بار باريسي،
فقط ليراه يكتب)، بسبب الديكتاتورية في بلاده التي حرمته أجر كتابته
الصحافية، ومع ذلك احتفظ بصداقة متينة مع توريخوس، وصداقة أقوى مع فيدل
كاسترو. ربما تبدو صداقته بكاسترو مبررة بشكل أو بآخر، ولكن الرجل حمل
أرقام هواتف تسعة رؤساء آخرين، بينهم كلينتون. تعرّض ماركيز لانتقادات
عنيفة بسبب علاقات مماثلة. لكن الروائي العظيم كان يملك رؤية تقول بوجود
تشابه ما بين عزلة الديكتاتور وعزلة الكاتب الشهير.
ربما كان كرسي
توريخوس الذي جلس عليه باعتباره "الزعيم الأعلى للثورة البانامية"، هو
الكرسي ذاته الذي جلس عليه ماركيز باعتباره كاتب "مئة عام من العزلة"، حيث
يحيط بالاثنين الأصدقاء المتوددون دومًا، والحريصون على إخفاء أي حقيقة قد
تبدو مزعجة، أو غير متّسقة مع ما يريد صاحب النفوذ، السياسي أو الأدبي.
إذن
تبدو المسألة وكأن علاقة ماركيز لم تكن، كما يفكر فيها على الأقل، علاقة
تبعية، بل هي علاقة الندّ، علاقة المُعادل في القوّة وإن اختلفت الاتجاهات،
هكذا يمكنه رؤية الأزمة في وهج القوّة، وهكذا أمكنه فهم المسألة بشكل
إنساني، بعيدًا عن سخونة الإيديولوجيا.
ولكن، هل كل علاقات الكتّاب
بالديكتاتوريين هكذا؟ لا نعرف تحديدًا، ولكن الخوف منهم، ومن فتكهم
وتشويههم للسمعة بالحقّ أو الباطل، أو خوف آخر معتبر من "الذوبان في
السياسة" يمنع كتّاباً كثيرين من مهاجمة الديكتاتور، أو على الأقل السكوت
عنه. يقال إن تأييد الحكّام العسكريين هو سبب أساس في عدم حصول خورخيه
بورخيس على جائزة نوبل.
على الجانب الآخر، يمكن تذكّر أرنستو ساباتو،
الذي ترأس لجنة بحث مصير المفقودين والمعتقلين في تشيلي بعد انقشاع كابوس
حكم أوغستو بينوشيه، وكذلك مقتل لوركا، أو مواقف خوسيه ساراماجو السياسية
القاطعة ضدّ إسرائيل.
في العالم العربي، حيث يستأثر الديكتاتور بكل
شيء، وحيث السلطة هي المعزّ المذّل، بلا حتى أي تجارب ديمقراطية طويلة
عرفتها شيلي وكولومبيا لأكثر من 100 عام، ربما دفع روائي عظيم مثل عبد
الرحمن منيف ثمن قناعاته السياسية، فلم يلمع لمعانًا يتناسب مع موهبة أبدعت
خماسية مدن الملح، أو محمد البساطي الذي لم يحصل أبدًا على اللمعان الذي
يستحق، يمكننا أن نذكر من باب الموضوعية أنه ربما كانت شخصية الكاتب
العازفة عن الأضواء، البعيدة عن التكالب، هي سبب أيضًا في حالة مثل هذه.
يبدو
أحيانًا غريبًا أن نجد العديد من الكتّاب الذين بنوا شهرتهم على المعارضة
السياسية، سواء إبداعيًا أو صحافيًا، ينحازون للديكتاتوريين في عالمنا
العربي. بعص المبدعين، كحالة الراحل الكبير أحمد فؤاد نجم، الذي جادل دومًا
بأن الحقيقة في إبداعه، وليست في تصرفات عابرة، أو تصريحات صحافية ربما
ينساها الناس، أم هل هي رؤية إنسانية لها عمقها، حتى وإن اختلفت معها، مثل
ماركيز؟ أم هو خوف أو رعب من بطش سلطة تملك كل شيء؟ أم هو ذكاء في التعامل
مع السلطة، وجذب لبعض من لمعانها إلى لمعانه، وثقة بأن الموهبة تغفر كلّ
شي؟!
مثلا لا يتذكر أحد الآن انحياز يوسف إدريس لجانب أنور السادات في تظاهرات العام 1977، ولكن، من يتذكر يوسف إدريس الآن؟!
وهناك
مثال لنجيب محفوظ، الأعظم حاليًا بحكم تكريس النوبل، الذي احتفظ دومًا
بمسافة آمنة، وصاغ دومًا آراءه السياسية بنبرة ساخرة مازحة، ادعى أحيانًا
يسارية، لكن كلّ الناس علمت أنه وفدي ليبرالي. ترأس الرقابة وكتب "ثرثرة
فوق النيل"، وعندما سئل من قيادة سياسية قال بضحكة عالية "ده كلام حشاشين".
عندما مات جمال عبد ناصر قال في قهوة ريس الشهيرة "وكأنه حمل وقد انزاح من
فوق دماغي"، ولكنه لم يكتب ذلك في مقال، طبعًا.
لسنا مجبرين على أن
نكون ماركيز أو بورخيس أو محفوظ، لكل خياراته. وبالطبع لسنا عبيدًا
لتاريخنا الشخصي، بعض من
الحصافة قد تنقذنا من عبث تناقض، أحيانًا.
................................................................
نشر في ملحق الثقافة بجريدة العربي الجديد في العام ٢٠١٥
يمكنك رؤية المقال الاصلي هنا
Saturday, April 30, 2016
سيجارة في وجه دبابة
جلس معي، وطفق يحكي:
كان داخلا لمتجر ما، ومعه سيجارته المشعلة. واجهه رجل ملتح ذو ابتسامة عريضة، وقال له:
- من فضلك اطفئ السجارة يا أخي
نظر الشاب حوله ثم قال:
- ولكنني لا أرى يافطة "ممنوع التدخين"
أجابه الشيخ بذات الابتسامة:
- لقد طلبت هذا من الزبائن حولك واستجابوا
نظر الشاب حوله، بالفعل لم يجد أحدًا يدخن السجائر. لم يجعله هذا يتراجع، سأل:
- ومن حضرتك؟
- أنا أخوك في الله
- أقصد هل حضرتك صاحب المتجر؟
- لا.. أنا في الحقيقة أدعو لما فيه خيز السبيل
وبالطبع ناله من تقريع الشاب ما ناله، والذي أكمل تدخين سيجارته بهدوء، وبعد دقائق قليلة، كان من أجبروا على إطفاء سجائرهم يدخنون مرة أخرى.
كان هذا الشاب هو أحمد ناجي، الروائي الذي حُكم بسنتين سجنًا، من أجل كتابة رواية، رواية مارس فيها ما مارسه في حكاية المتجر؛ تمرده. صحيح الأدب لا يهتم بالتمرد كمنزلة أولى، ولكنه يهتم أكثر بالخيال، وهكذا مزج أحمد تمرده بخياله، في سبيكة تخللتها الموهبة.
ولكننا هنا أيضا نتكلم عن الواقع: ليست هذه حكاية في مناقب التدخين، ولا هي حكاية لجذبك إليه، بل حكاية عن سلوك فردي، حكاية خلاص فردي، كانت أملنا جميعًا حين نزلنا في ذلك اليوم البعيد القريب، مطالبين بأن نكون أحرارا، أن نكون سادة أنفسنا، ألا نخاف من بطش سلطة، سواء سياسية أو دينية. صحيح أن في الأمر قدر من التبسيط لو اعتبرنا ما حدث رمزًآ وعلمًا بعدما ودعنا الرموز والأمثال، وصحيح أن الأمر سيكون سخيفًا لو تحدثنا بطريقة "لو فعل كل منا هذا لكان…". هي حكاية. وأجمل منها أنها حكاية حياة، حياة ممكنة، وقريبة.
رجع أحمد إلى ما ظنه محاكمة، فوجدها كمينًا. رجع بعدما كان في وسعه أن يبقى حيث كان، في إيطاليا، التي كان فيها لزيارة قصيرة، ولكنه فضل الرجوع. كان أحمد، كما عهدته دومًا شديد الاستهانة بحكايات البطولة، ومثلي كان ينفر من الصراخ ونفر العروق، ولكنني كنت أشك، أيضا، أن تحت مثل هذا المظهر المستهين بكل شيء، تحت قصدية التهكم والسخرية، كانت تكمن روح لها سنتمنتاليتها الخاصة، التي تعمقت كلما كانت نبرة التهكم أعلى. أحيانا أظن ذلك، لِمَ رجع؟ قد يقول هو إنه لم يتوقع مثل هذا الحكم، قد يقول إن من حوله لم يتوقعوا ذلك، وهذا طبعًا صحيح، لكن الحقيقة تبقى: لقد رجع. كانت السلطة تتعقبه، وكان يمكنه الغياب فتقع عليه أقصى العقوبة—وللسخرية فقد نالها حضوريا—فتكون مبررا له للبقاء في أوروبا.
ولكنه رجع
تحدثني نفسي أحيانًا، بلوم، أنني وراء ذلك: كنت أتكلم معه في يوم، عبر الفيسبوك، فأخبرني بإشاعة أمنية مغرضة، لم تنتشر، عن لجوئي لأوروبا، إيطاليا تحديدًا. قلت له يا بني لقد رأيتني على القهوة منذ أسبوعين، وهل تصدق أنني أفعل مثل هذا؟ قال لي إنه كان يتمنى هروبي من أرض اللعنات هنا. وعندما سمعت عن خبر تعقبه قضائيًا على روياته، عبثت معه على صفحات الفيسبوك، متمنيًا له أطيب التمنيات في لجوئه السياسي المرتقب. دخل وعلق بعصبية لم أعهدها منه طوال سنوات معرفتنا الإحدى عشر تقريبا.
لقد تخيلت أن ناجي سيدخل ليهزل معي، لنسخر معا، ولكنني فوجئت بعصبيته. هنا فقط أدركت مدى الضغط الذي كان فيه.
هل كان مثل هذا الموقف سببا في رجوعه؟! لا أعلم، ولن أرجح كوني سببا، هذا أريح للضمير من ناحية، ومن ناحية أخرى، فأنا لست سبب كل شيء.
الحقيقة هي أنه رجع. كان لديه كل سبب لعدم العودة، ولن يلومه أحد، وسيكون متسقًا مع ذاته، ولكنه رجع.
سيخرج ناجي، سيخرج، أعلم. وأعلم أنه، غالبا، سيتحسس أي ربط ما بين كتابته وسلوكه ويناير، ولكنني سأدعه يقرأ هذا مرة أخرى؛ فسواء وافق أو لا، قصد ذلك أم جاء عفوا، فسلوك هذا الشاب في المتجر، لا يشبه من قريب أو من بعيد من يحتمون بدبابة في وجه الناس. لا يشبه من قريب أو من بعيد من يبحثون عن ولي أمر حريتهم، لا يشبه بأي حال من الأحوال هؤلاء "المتعقلون" الذين يدعوننا للهدوء لأنه لا بديل لنا. لا يشبه من بعيد هؤلاء الذين يؤثرون السلامة.
ستخرج يا ناجي، ستخرج، وحتى تخرج، أتوقع أن تمنح سجانيك أوقاتا تعيسة، كلما قدرت.
.....................................................
نشر هذا المقال في اذاعة هولندا الدولية- هنا صوتك في ٢٩ ابريل ٢٠١٦. للمقال الاصلي يرجي الضغط هنا
Friday, April 22, 2016
خالد على رئيسًا لمصر
ما فعله خالد علي في جمعة الأرض يجعلني أفكر: إذن يمكن لهذا السياسي الشاب أن يكون رئيس جمهورية يوما ما.
أراد السياسي حقن الدماء، وأرادت السلطة فض المظاهرة. التقت الإرادتين، وتناغمتا وأثمرتا عن موقف وسطي: فض التظاهرة ولكن بعدما أثبتت وجودها، اعتقال خمسة وعشرين شابًا ولكن لم يمت أحد. كان خالد يعبر أمامي مغادرا الجمع، متحملا شتائم من كل حدب وصوب، يلتفت لأحدهم ويقول بعصبية "لا تزايد علي"!
نعم، غادر السياسي أرض المعركة بعدما حسب أرباحه، ولم يقعد البطل في وسط رفقائه الثوار. خالد ليس بطلًا، صحيح أن وجوده كان يحول بين الأمن والمتظاهرين، إصابة أو مقتل أو اعتقال خالد كانت ستصنع المانشيتات في مصر، وبالتالي في الخارج، وليس في مصلحة السلطة هذا وفرانسوا أولاند على الأبواب، ولكن ليس كل شيء بهذا الحسم، ماذا لو تكاثرت الجموع وقررت الاقتحام والمسير لميدان التحرير، ماذا لو قررت الاعتصام في بقعة حيوية ستضايق حتمًا مرور المدينة في أيام عمل جادة. كان من الممكن بالفعل أن يعتقل، أو يصاب، أو يموت خالد وبعض ممن معه، أو بعض كثير ممن معه.
كتب الصحافي المصري خالد البلشي أن سبب تحبيذهما خيار الرحيل، هو وخالد، أنه إن مات أحدهم، فسوف يجبن الناس عن النزول ثانية. حسنًا، بعض البراجماتيين قد يختلفون تمامًا مع هذه الرؤية، ولكن رايات الأخلاق سترفع: السياسيون الذين يتاجرون بدماء الشهداء، أو من ينتظرون دماء الشهداء. حسنًا، خالد سياسي هو الآخر، ولكنه سياسي حذق.
برز كمحام حقوقي، المدخل المعتاد لنجوم اليسار المصري، زاد من نشاطه بعد الثورة لحد ترشيح نفسه رئيسًا للجمهورية، وكان كاتب هذه السطور من منتخبيه المئة ألف. شارك في معارضة السلطة حتى انخرط في 30 يونيو، ولكنه سرعان ما استعاد راديكاليتيه في وجه الدولاتيين القدامى، وصارت سياسته، أو هي دبلوماسيته، التي اعتمدت على أمثلة خطابية، مثل الصياح بسقوط حكم العسكر في الأوبرا حينما كانوا يكرمون الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم. تضايق منه بعض أصدقائنا المشتركين، ثم نعتوه بما نعت هو بعض الناس في يوم جمعة الأرض: هذه مزايدة.
ولكن، من أكثر من المزايدين، الراديكاليين، من يستطيعون تسويق التنازلات الصعبة؟ أثبت الرجل، في هذه الجمعة، أنه رجل دولة يعتمد عليه، رجل منضبط، له تأثيره سواء في إذكاء المظاهرة أو في فضها. رجل انتهج الهدوء في مقابل الغضب، وانتقل بكل خفة ورشاقة من صياح ثوري إلى بيان إصلاحي. لم يخبط خالد رأسه في الحائط، أو هو لم يخاطر بفعلها.
ووجدتني أفكر في أمثلة مثل ليخ فاونسا. لولا ديسيلفا. نعم. لم أكن متفاجئًا حين روج أحمد شفيق نفسه باعتباره لولا دي سيلفا: يبدو لي أحيانا وكأن الصراع ما بين أجنحة الدولة المصرية يمكن تلخيصه، بشكل أو بآخر، ما بين مؤيدي تجربة البرازيل، تلك الليبرالية المتوحشة التي قادها- أو موه عليه- اليساريون، وبين محبذي ليبرالية الصين ذات النهج الآسيوي، مثلما يصفونها في الغرب.
دعني أقول لك إنني أظن، منذ كتبت هذه السطور إبان طلب السيسي تفويضه، أنني أراه كبينوشيه، بينوشيه سوف يفقد آخر مبررات وجوده مع تمرير قانون الخدمة المدنية، الذي سيفتح الطريق متسعًا للتخلص من خمسة ملايين مواطن مصري، ووراءهم 20 مليونًا آخرين تقريبا، ربما يبقى ليواجه التبعات الصعبة لهكذا قرار، أو لا، هي قدرته على المناورة وحيدًا هنا. وبالمضي قدمًا في هكذا تغير، فسوف تتوافر مصر كسله لعبيد الإمبراطورية الرومانية الجديدة، ربما تصبح الخمسون دولارًا مرتبًا يتقاتل الناس عليه، بعدما ماتت، ودفنت سنوات الميري.
وعندما يهدأ كل شيء، ونعرف من الفائز بالكعكة، الجيش أو الكارتيلات الدولية، وبصرف النظر عن ناتج هذه المعركة، دعونا نفتح صفحة جديدة، صفحة نستمتع بها بـ”المعجزة المصرية” (على نمط المعجزة الشيلية)، وأرقام النمو الكبير، وبالنظر في ناتج هذه المعركة: قد يكون القادم عسكريا، وقد يكون مدنيًا.
وإن كان مدنيًا، من أفضل من مناضل ما يزال شابًا، سيكون خالد في الرابعة والخمسين تقريبا بعد عشر سنوات، مناضل قديم وشاب، هتف دائمًا بسقوط العسكر، وهتف دائمًا بحياة الشعب، والأهم: يمكنه أن يكون رجل دولة. طبعة ذكورية من ديلما روسيف، أو طبعة شابة من لولا ديسيلفا.
وعندما قرأت اليوم خبر لقائه بأولوند، بناءً على طلب هذا الأخير، قلت لنفسي: لِمَ لم أتعجب؟!
قد يكون خالد علي أوباما المصري، في أرض أدمنت أن تعطي مُلكها لأبعد من يتوقع الناس. قد تتعدي وعوده الحقائق أو قد تتعدى الفارق ما بين الرجاء والكذب، ولكن، قل لي بربك: من سوف يرفض انتخاب أوباما. من سوف يرفض الابتهاج الهستيري بأوباما.
قل لي بربك، مَن مِن السياسيين سيرفض أن يكون أوباما؟!
................................................................................
نشر هذا المقال في موقع إذاعة هولندا الدولية- هنا صوتك، في ٢٢ ابريل ٢٠١٦. يمكنك رؤية المقال الاصلي هنا
Saturday, April 16, 2016
كليم الله فرعون
وأخذ الرئيس، يقولون إنه رئيس، عبد الفتاح السيسي رئيس مصر، يقولون إنها مصر، يتحدث لدقائق طويلة، وحدث أن حاول أحدهم الحديث، لينتفض الرئيس الهصور "أنا ما اذنتش لحد يتكلم".
قالوا إنها جلسة للحوار الوطني مع ممثلين لـ”الرموز”، وبصرف النظر، أو في الحقيقة هو رصف للنظر، عن اعتراضنا على ذهنية مصطلح الرموز، فقد كانت الأسماء المدعوة تنتقل بنا من الذهنية إلى الذهان، لنكاد أن نتحول لـ”سيساويين” صغار، محدثين أنفسنا أن مثل هذه الأسماء ينبغي إسكاتها طبعًا، أو، من باب أولى، يجب منعها من التكاثر.
يبدو علينا أن نراجع أنفسنا، قبل قول حماقة كهذه، لأن هناك منا من يقولون، في كل مكان ممكن، إن الرجل قاتل، ولكن. لكن هذه قد يتبعها بعض الأشياء مثل أن الجزيرتين التي تخلت عنهما مصر للسعودية هما سعوديتان من الأساس، أو أن عدد المعتقلين مبالغ فيه، أو أن كل هذا العسف الذي ينزل بنا هو نتيجة ارتجالات فردية أو يمكن عزوه لمؤسسة بعينها، أو أن الرجل لم يعرف بقرار حبس الروائي المصري الشاب أحمد ناجي (والذي ذهب للمحاكمة فإذ به يذهب لكمين)، بالطبع غير درة التاج: "هم لا يعلمون ما يفعلون"، وغير ذلك من الأقاويل التي تفكك كل ما يمكن انتقاد الرجل به، ثم يقولون إنه قاتل، وإن جئت للحق، كما يقول المصريون، فقد كان يقتل أعداء الوطن المهددين لهويته وأمانه، وهي السياسة كما تعلم.
من الوارد جدا طبعًا أن تكون الأشياء أو بعضها هي غير مما تظهر عليه، كما أن المبالغة في تصوير الدولة كإله محيط عارف بكل شيء هي فكرة سخيفة بلا شك، ولكن، أرجو منك التركيز قليلًا:
نعم، من بيننا من يدعون أنه قاتل، ولكنه حقانيّ.
إذن لماذا نزعل من هؤلاء "الرموز"؟ قد يبدو الأمر، من وجهة نظر لا تتسم باللباقة، أن من حضروا هذا اللقاء يعلمون دورهم جيدًا جدًا، هم على وعي بدورهم: ممثلون "كومبارس" يمنحون "الرئيس" فرصة التكلم للجماهير الغفيرة، من باب أن هناك "حوارًا" وطنيًا يتم، وهي الصيغة الأليق من توجيه خطاب مباشر للشعب يحمل شبهة الإملاء والانفراد بالرأي والسلطوية- وهي ذات التهم التي رمي بها السيسي بعد قراره الصاعق في مسألة الجزيرتين، وهي على كل شيء ليست صحيحة: لقد استشار الاسرائيليين. إذن يمكننا أن نتخيل، على حق أظن، أن هذا الوغد، من طلب الحديث بلا مبرر، هو من لم يفهم دوره في جمع كهذا، وهو السبب في قول "الرئيس" الجملة التي أفسدت كل هذا الإخراج الديموقراطي: هو لم يأذن لأحد بالحديث. ثم قطع التليفزيون إرساله- يبدو أن أحدهم في ماسبيرو ما يزال يتمتع بالحياء.
لم يأذن لأحد. العبارة ليست فقط عجيبة، بل تحيلك دونما قصد لفرعون موسى، الذي كانت مشكلته أن سحرته قد آمنوا قبل أن يأذن لهم، في بلد هي الأولى- على عكس كل سياقات الأنبياء في الكتب المقدسة- التي يأتيها رسول لا يتوجه بالدعوة لأهلها، بل ليدعو بعض أهلها للخروج منها مباشرة. قبل 3 آلاف عام، تقريبا، يقولون إن هذه الحكاية قد حدثت، وبعد كل هذه السنين، يبرز لنا فرعون يدعي أنه موسى بنفسه: كليمًا وذا عزم.
انتهى إذن واحد من أرسخ الأمثال الشعبية المصرية: من تظنه موسى، يكون فرعون. لا، لقد وحدنا المناهج.
"وماذا يفعل الفرعون؟ يتخلى عن جزر. وما يقوله موسى؟ “سأدخل السوشال ميديا بكتيبتين” و”ل يتكلم أحدكم في هذه المواضيع ثانية”، أو “هناك من يصعدون للباصات من اجل نشر الاشاعات”، ثم “لقد ربتني والدتي على احترام الحقوق….”، أو يحادثنا ،كأننا زوجته السيدة الفاضلة انتصار. بالطبع هذا انجاز اننا فهمنا أكثر من جملة واحدة من جمله التي تلغز عن الفهم، عادة.
.مصر؟ هي جوثام سيتي، التي يحاولون حمايتها من الأشرار.
...................................................................
نشر هذا المقال في موقع هنا صوتك بتاريخ ١٥ ابريل ٢٠١٦، للمقال الاصلي يرجى الضغط هنا
Thursday, March 31, 2016
العدل أساس الملك: في الحركة والسكون.
"وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"، آيه قرآنية، يستشهد بها الكثيرون من الحكام والقضاة في العالم العربي،
بالإضافة إلى عبارة شائعة أخرى، ينسبها الناس تارة لأبي حامد الغزالي، وينسبها بعضهم لمجمل أعمال ابن خلدون، وهي "العدل أساس الملك". صحيح أن العدل هو قيمة إنسانية عامة جدا، ولا يمكن قصرها على ثقافة بعينها، ولكن في حالة مجتمعاتنا الإسلامية نجد العدل في القلب؛ هكذا كانت ثقافتنا في روحها، عدالة في وجه الظالمين، المستكبرين، الفخورين بذواتهم والمتجبرين. فكان العدل أساساً وميزاناً، ولا توجد سبة أسوأ من أن تكون ظالمًا، "لأن الله ذاته العدل، والعدل يعني الحق، والحق حبيب الله"، كما يقولون، وهو اسم ثان للذات العليا.
هكذ ينتقد كثير من المفكرين غياب العدل في ثقافة ارتكزت على مفهوم العدل، ليس فقط كعملية قضائية، ولكن كأساس لتقييم السياسة ذاتها، فقال ابن تيمية إن الله يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة، فالعدل، مرة أخرى، هو أساس الملك.
إذن، فما دام الحاكم عادلاً، مادام حاكماً. لا يهم لكم من السنوات، لا يهم، ما دام عادلا، يستدعي عدله حق بالسياسة والرياسة والتولي.
هكذا ننظر للتداول الديمقراطي باعتبارها آلية لنظام سياسي قد ينوجد فيه العدل بشكل أكبر من النظم الأخرى، بينما تحولت العدالة في مجتمعات أكثر تطورًا منا لقيمة، أغلب الأنظمة الرئاسية تحدد فترة الرئاسة بمدة أو مدتين، وحتى الأنظمة البرلمانية، التي بطبيعتها لا تقيد عدد مرات تولي رئاسة الوزراء، صار هناك مفهوم عام أنه لا يجوز أن يبقى أحدهم حاكمًا لمدة تتجاوز العشر سنوات أو ما يزيد قليلا. في وطننا العربي نقول: وما قيمة هذا إن كان عادلا؟ هل نترك الرجل من النشامى (وكلهم نشامى مغاوير) من أجل ما لا نعرف؟
سنسأل هنا، أي عدل هو؟
لقد نشأت في مصر، وأعيش فيها، وحين كنت تلميذا في الفصل، كان يمكن أن يضرب المدرس الطلاب جميعهم لعجزه عن تحديد من فعل شغبا ما، فيعاقب الجميع بحجة "المساواة في الظلم عدل".
يمكنني أن أقول، في الحقيقة، "أي عدل هذا؟!"، ويمكنني أن أقول "هكذا نرى كيف تفسر النخبة الحاكمة عدلها"، ولكن الحقيقة بعيدا عن سخف التفسير السابق للعدالة، ولشمولية مبدأ العدالة والإنسانية نفسه، أن لكل زمان عدالته: لذا تتوالى القوانين التي تتغير بتغير المجتمع، وهكذا يكون لكل عصر تشريعه، وقانونه، وعدالته.
لكن لدينا نقول إن الأساس في الحكم ليس تعاقب الأجيال، التي تحدث قانونها وعدالتها بما يلائمها ويلائم عصرها، بل إننا نقول إن عدل الحاكم هو أساس حكمه، ودعنا من ظلمه الشائع الذي يراه عدلا، فحتى ولو كان "عادلا" فعلا، فهذا يعني أن تستقر طبقة بكاملها بمفهومها ليس فقط عن العدالة، وإنما عن الفن، والثقافة، والسياسة، والتعليم، والفلسفة.
يعني أن تتجمد مجتمعاتنا لمدد قد تصل إلى ثلاثين عاما أو أربعين عاما أو أكثر من هذا -في ظل سيطرة عقلية بعينها لا أشخاص بعينهم- حيث تأتي السلطة من ثقافة تثبت الحاكم، ليثبت الحاكم هذا المجتمع في عملية دائرية، تحاول تكسيرها وتهشيمها أفكار الديمقراطية التمثيلية، ومبادئ التداول وحقوق الإنسان، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، في الروايات والأفلام، في برامج المؤسسات الأهلية.
نعم هناك سباق لعقل جديد يؤمن بالتغير والتداول، وبأن لكل جيل، أو أجيال متقاربة، مفهوما عن الحياة قد يختلف كثيرا أو قليلا عن الأجيال التي سبقته أو التي ستعقبه. لكن هذا دوما يصطدم بالعدل الذي هو أساس الملك، أو، بالأحرى، بالملك الذي يستخدم العدل.
ثم نسأل، ما الذي أوصلنا للسيسي؟!
ثم نسأل، عدل السيسي؟!
٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠
نشر في العربي الجديد بتاريخ ٣١ مارس ٢٠١٦، يمكنك رؤية المقال الأصلي هنا.
Saturday, March 19, 2016
المهرج ذو البلطة
كنا في مقهى قريب، نستريح من "تمشية" برلينية طويلة، ثم قادنا الحديث عن العلاقة ما بين المرأة والرجل لحكاية مثيرة: روت لي "يوفيتا" أنها رأت فيلمًا تسجيليًا، يتحدث عن قرية صغيرة في ألبانيا، حيث قررت بعض النسوة أن يتحولن قانونا لرجال، لا ليس لرغبات دفينة هنا أو هناك، بل من أجل المشاركة في القرار السياسي والإداري في القرية، المقصور على الرجال فقط!
ولكن الجميع يعرفون أنهن كن سيدات!
قلت متعجبا، فردت عليّ:
المجتمع هناك لا يحترم إلاّ الرجال، هكذا كان عليهن التحول لرجال..
نعم، ولكن الجميع سيعتبرهن نسوة في الأساس، لا أتخيل أن يعاملهن كما يعامل رجل بالولادة، لِمَ لم يمارسن السياسة والإدارة وهن نساء كما هن؟!
هذا ما جرى! وأنا أحترم هؤلاء النسوة.
طبعا، هكذا أجبت، من باب أنهن يهتممن بإدارة شؤونهن الأوسع من مجرد بيت صغير هنا أو هناك، ولإيمانهن بدورهن في العمل الإداري والسياسي، ولكن هل نعتبر تحول هؤلاء النسوة إلى رجال هو "إيمان بدور المرأة"؟! ظللت حائرا، الموضوع لم يكن مثل مناقشة قديمة حامية، مع صديقة عزيزة كانت فخورة بأن النساء يقدن "التريلات"، وأنا شخصيا لم أجد ذلك فتحا بأكثر من كونه غريبا، أول قائدة طائرة مدنية إنجاز بالطبع، ولكن سائقة "تريلا"؟! الموضوع هنا تعدى مسألة السياقة، ودخل في مستوى آخر أوحى لي بالقهر والعجز لا بالانتصار.
بعد هذا الحوار بشهر، فتحت لي يوفيتا صفحة إنترنت تحكي عن هؤلاء النسوة، أخذت أحدق في صور الرجال الذين كانوا نساء، الملابس، الإكسسوارات، القبعات فوق الرؤوس، طريقة الوقوف أمام عدسة الكاميرا، لا أنكر أن مظهر بعضهم لم يشِ أبدًا بما كان عليه الماضي، ولا حتى ملامحهم، سألت نفسي كيف يجلسون في الحانات؟ وهل من المفترض أن يحنوا رؤوسهم خجلًا إن استبان من امرأة أخرى عري غير مقصود؟ وما كان رأيهم في حمامات الرجال في الأماكن العامة؟ (قلت لنفسي هي قرية! أي سؤال سخيف هذا!).
طيب دعنا منهن، ما هو شعور الرجال "الأصليين" تجاه الموضوع بأكمله؟! هل سوف يضربون متحولا على ظهره أثناء المزاح بالقوة نفسها التي يضرب بها الرجال بعضهم؟! هل سوف يستدرجون المتحول لقول رأيه في النساء وكيفية كسب قلوبهن؟!
ظللت حائرا، وبدا الموضوع برمته عجيبًا وغريبًا، ثم قرأت خبرا عن أن مصر قد أصبحت رئيسة المجلس العربي لمكافحة الفساد، فقلت لنفسي إن اسمه الحقيقي هو "مجلس الفاسدين لمكافحة الفساد"، قلت لنفسي حسنا، هو الوطن العربي ومشاكله ونكاته وما إلى ذلك، ثم مضيت أكثر لأتذكر كلمات مثل "تعويم العملة"، و"الإصلاحات الاقتصادية"، و"الأمن القومي"، و"كاميرات مراقبة المرور، طبعا"، إذن لماذا أعترض على تحوّل نسوة لرجال من أجل السياسة؟! لماذا أجد هذا غريبا؟! طيب ألم تكن هي قناة سويس ثانية؟!
يعرف الكتّاب أن مزج المتقابلات يقوي الأثر التي تتركه الفكرة، هكذا كانت فكرة الخطيئة في مكان العبادة مثلا، أو الوحدة وسط الزحام، أو الأعمى البصير، أو ما فعله ستيفن كينغ في روايته الشهيرة "الشيء": الوحش الذي يأكل الأطفال يظهر غالبا في صورة مهرّج ضاحك، لكننا لسنا في أرض الخيال، نحن في أرض تحاكم الخيال بخيال مريض مقابل.
هكذا يحاكم الكاتب الصحافي والمدون والباحث المصري إسماعيل الإسكندراني، من قبل مهرج معه بلطة، ليحبس احتياطياً أكثر من مائة يوم في السجن، بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية
...............................................
نشر المقال في جريدة العربي الجديد في ١٩ مارس ٢٠١٦. لقراءة المقال الأصلي اضغط هنا
Subscribe to:
Posts (Atom)