designed by: M. Aladdin & H. Fathy

Thursday, September 15, 2005

النداهة

حسنًا. تأويل مفهوم النداهة هو أنها ذلك الشيء الذي يستحوذ علي ذهن الواحد فينا و لا يفلته، يشغله به و بكنهه، يشغله بمميزاته و عيوبه و محدداته، في سبيل الهدف المقدس ألا و هو الحصول عليه أولًا، ثم تحقيق أقصى إشباع ممكن منه ثانيًا.
و لكن السؤال الهام هنا هو علاقة الأطوار العمرية للشخص الواحد بنداهته الخاصة، و أن كانت هذه النداهة تتبدل بتبدل هذه الأطوار العمرية أم لا؟
المجادلة كي تكون محكمة لابد و أن تضفي إجابة مريحة علي موضوع "الأطوار العمرية و تبدلها" هذا. هل هناك تبدل في الأطوار العمرية حقًا؟! أم أن الإنسان هو الإنسان، و إن نحينا مرحلة طفولته البكر و شيخوخته العاتية جانبًا، فسوف نعرف أن تقدمه في السن لا يعدل في رغباته؟
تنحية مرحلة الطفولة البكر تعني بداهة أن تلك المرحلة لا تعني كثيرًا بالرغبات التي يعرفها الإنسان البالغ مثل الجنس و العمل و الثروة، و هو رأي صائب إذا ما ركزنا علي فكرة "لا تعني كثيرًا"، بدلا من "لا تعني أبدًا". فالأبحاث النفسية علي امتدادها التاريخي رصدت اهتمام حقيقي بالرغبات الثلاث—كمثال مهم علي الرغبات--و أن اختلف توظيف هذا الاهتمام. فالطفل يعني بالجنس عن طريق التساؤل عن كنهه في الأعم الأغلب، أو بممارسته في حالات شاذة. و يعني بالعمل في معسكرات لهوه الصيفية و عن طريق إعلاء القيمة إلي وسيطي المذاكرة و اللهو، و يهتم بالثروة في صورة مصروفه اليومي و كمية ما يحصل عليه من حلويات و عصائر و ما إلي ذلك.
أيضًا في حالة الشيخوخة العتية، فنحن نستطيع أن نقول أن الشيخ يظل مهتمًا بالرغبات الثلاث، و أن كانت بطبيعة مغايرة علي المستوي الفيزيقي الفعلي—تبعًا لحالة الجسم الفسيولوجية الواهنة—و بوعي كبير نجم عن خبرة عريضة أكسبته السنين إياها. يستبدل الشيخ العمل بالتمارين الرياضية الخفيفة، و يقضي وقته في التمتع بالثروة لا تكوينها، و يمارس الجنس بصورة تقترب من الرمزية. إذن الفارق الوحيد بين الشيخ و الطفل في التعامل مع رغباته المتعددة هو الوعي التام بأبعاد الرغبة و خصائص من تقع عليه الرغبة (المرغوب)، كما أننا لا ننسي البعد النفسي الذي يلتقي في نهم التلقي، و يختلف في هدفه. فالطفل نهم في تلقيه لبديهية الاكتشاف، و الشيخ نهم في تلقيه لبديهية خوف الفناء.
إذن هل يعني كلامنا السابق أن نداهتنا الخاصة—رغبتنا الأشد تعلقًا بها—لا تتغير بتغير العمر؟
حسنًا.. نستطيع أن نقول أن الرغبات الثلاث كقيم مطلقة تظل مرغوبة، و لكن أهدافها التي تتمركز حولها و في داخلها طاقة الإغراء العاتية قابلة للتبدل بصورة مربكة. فالإنسان الذي يهتم بالجنس كنداهة خاصة تسقط رغبته علي محبوب يعتصر منه المتعة في مرحلة زمنية محددة، قبل أن يحدث الملل الذي لا فكاك منه، فيسقط الإنسان رغبته علي محبوب آخر، و هكذا. نفس الحال مع العمل، فقد يلجأ الإنسان إلي تغيير مجال عمله، و لكنه ما يزال راغبًا في قيمة العمل بذاته إلي أقصى حد، و يرتبط بذلك بشدة قيمة إثبات الذات، و قد لا يغير الإنسان مجال عمله، و لكن تتوافد عليه التحديات و المهمات الجديدة بصورة مستمرة، مثل رجال الأعمال و صفقاته المختلفة التي لا تنتهي، و يتعامل معها الإنسان بصورة مختلفة مع كل تغير في مركزه سواء عن طريق النجاح أو الفشل. نفس الحال مع الثروة، فالإنسان يسعى دائمًا إليها باختلاف وسائلها و اختلاف مهارته.
الذي يحدث هو تفضيل رغبة عن أخرى بما يسمح به، أو بما يدفع به، العمر. قال برنارد شو أن الرجل "يقضي أول عشرين عامًا يملك الصحة و الوقت و لكنه لا يملك المال، ثم في العشرين عامًا التالية يملك المال و الصحة و لكنه لا يملك الوقت، ثم في العشرين سنة الأخرى يملك المال و الوقت و لكنه لا يملك الصحة".
ربما سيقول من يقرأ أن النداهة في المثال السابق تغيرت بتغير العمر.. فهي المال، ثم الوقت، ثم الصحة...
و لكن بحسب نفس هذه السطور السابقة، فأن نداهة الإنسان هي المتعة. المتعة التي تريد مالًا تشتري به مستلزماتها (بيت أنيق-امرأة مشتهاة-عربة-الخ الخ)، ثم تريد وقتًا لتمارس فيه طقسها بعدما استكملت مستلزماتها، ثم تريد صحة غابت عنها بعدما توفر لها الوقت.
تغير الرغبات ما هو إلا تعبير عن مسيرة حثيثة نحو هدف واحد باستماتة: المتعة. أن يعيش الإنسان مرتاحًا هني البال. الراحة و المتعة أيضًا يقوم تفسيرها علي حسب كل إنسان منا. هناك من يعلي من قيمة العمل أو الذكاء لإثبات الذات، و علي ذلك قس الجنس كإعلاء للشهوانية الصريحة، الثروة كإعلاء للقوة و المقدرة.
و ما بين ممارسة الفعل تبتلًا (حبًا في ذات الفعل و عن ذلك الحب تنتج المتعة) أو لإثبات الذات و الظهور (حبًا في الذات و عن ذلك الحب تنتج المتعة)، تقوم جدلية لن تنتهي حتى نهاية زمننا، ربما نعبر عنها في سؤال مؤرق متعدد الإجابات: لماذا يكتب الكاتب؟ أحبًا في "نداهته"؟ أم حبًا في ذاته؟ أم حبًا في الاحتمالين معًا؟!
حظ سعيد مع نداهتك الخاصة، و حظ اسعد في محاولة تحديدها، إن كنت لا تعرفها حتى الآن.

3 comments:

AZ said...

الاتنين بيحصلوا
فى رغبات بتتخذ اشكال مختلفه فى كل مرحله او قد تتخذ اكثر من شكل فى ذات المرحله بينما هناك رغبات اخرى تتوارى ورغبات تظهر لم تكن موجوده من قبل... ده مش معناه ان الرغبه انزوت دى اختفت ولا اللى ظهرت مكانتش موجوده فقط كل اللى بيحصل ان ترتيب الاولويات بيختلف من وقت للتانى وبالتالى بتختلف اهمية الرغبات

Anonymous said...

That's a great story. Waiting for more. » »

Anonymous said...

That's a great story. Waiting for more. »